لابد من مساحة براح

أحياناً تشعر بالطفش ويضيق بك المكان بل الدنيا وتحس بأنها أضيق من سم الخياط،لإحساسك بالشعور بالاختناق وإلافتقار إلى شخص يفهمك ويقدر ظروفك ويحتويك ويربت على كتفك ويقول أنا أتفهم ماتمر به وهذه شدة وتزول إن شاء الله وأنا معك،وشعورك بالافتقار هذا برغم وجود كافة أسباب الاكتفاء عن الآخرين وتكتشف بانك كنت مثل كناري قد هرب من قفصه بحثاُ عن الحرية والانطلاق إلى براح أوسع حيث الطبيعة حيث التغريد بسعادة على الأشجار، والبراح هو المكان الذي تجد فيه لحظات الهدوء والتأمل مكاناً تشعر فيه بأنك مع نفسك أو يكون معك فيه شخص يحبك ويخاف عليك، ولكن الوحدة أحياناً تكون أفضل من بعض العلاقات الاجتماعية التي تكتشف بأنها قائمة على الكذب والخداع والخيانة والقائمة على المصلحة،وعند أول اختبار في الشدة لاينجح أحد،فلذلك تسطيح العلاقات آمن لك وإتقان لعبة المسافات من الحكمة لأن القرب الزائد يفسدها فالوحدة أحياناً تكون براحاً خاصاً بك ،أفضل مليون مرة من كثرة العلاقات الاجتماعية واجتماعاتهم الكاذبة، لأن الصدمة فيمن كنت تحسن الظن فيه تؤلم قلبك وتكسره وتذله،لذلك الشجاعة بأن تنهض من كبوتك وتقول لا لمن خذلك وتقول للألم أنا قوي ولن أغير مبادئي مهما تعرضت من تهميش أو ضغوطات لذلك الأفضل لك بأن تختار مساحة للبراح خاصاً بك حيث الهدوء والتأمل والقراءة في كتاب أو رواية مع فنجان قهوة وأنت تستمع لموسيقى هادئة أو الإنشغال في هواية أنت تحبها، وأن تكون مع الأشخاص الذين يريدونك لذاتك ويمنحونك طاقة إيجابية وقد تواجهم صدفة، وذلك مثلاً حينما تمشي وحيداً تحت المطر وتتفاجئ من شخص لاتعرفه يطلب منك بأن تتشارك معه في المظلة أو يمنحك شراباً دافئاً لأنه خائف عليك من البرد ومن هنا يبدأ التعارف وبناء العلاقة،وتشعر بالإحتواء من إنسان يحبك،وحينما تحضنك والدتك وأنت تقبل رأسها ويدها وهي تدعو لك وتنظر لك بعين الرضا وبابتسامة جميلة فيرضى الله عليك برضاها،وكذلك حينما يكون التأمل في المشي بعد صلاة الفجر حتى يظهر نور الصباح كل هذه الأمور البسيطة تجعلك تشعر بأحاسيس جميلة وبأنك إنسان لديك قلب جميل حي ويحب الحياة لذلك لا تستهينوا بهذه الأشياء الصغيرة أو بأثرها وأفرحوا قلوبكم بها ولاتنتظروا شيئاً من أحد إلا من الله، وأهم لحظة في البراح هي مع الله عز وجل تجعلك في عالم آخر وتشعر بأن روحك خفيقة تحلق في السموات سابحة حينما تناجي الله حيث بعدها ستشعر بالارتياح والاكتفاء والقناعة والرضا والأمان لأنك مع الله ولأن الله معك والمجال أمامك مفتوح وفضفض له كما تريد حتى تكتفي أنت لأن الله سبحانه لن يمل من كلامك ولا يبخل عليك فيما تطلبه أن يتحقق ولا يضيق من شكواك أو يمن عليك ،وستشعر بعدها بأن قلبك تطهر وأن روحك قد اتسعت كاتساع السماء وأصبحت روحك صافية كزرقة ماء البحر وستشعر بأنها قد انغسلت من أدران المشاعر السلبية وأن جراحك قد تداوت، ويتسع البراح بداخلك حينما تقرأ القرآن وتعمل من النوافل بدون أن يعلم عنك أحد،وحينما تسجد منكسراً تناجي الله تشعر حينها بأن جبال الهم التي كانت جاثمة على قلبك قد انزاحت وأن ضيق صدرك قد بدأ يتسع ليشمل الكون حتى توقن بأنه لن يضيق صدرك في حياتك أبداً، إنها لحظات في البراح مع الله والتأمل في الكون وكل المخلوقات وتأمل أيضاً في نفسك ومامن به الله عليك من نعم كثيرة لا تحصيها وتأمل كذلك في أفكارك وماذا كنت في السابق وماذا أصبحت عليه الآن ،ثم تشعر بعد ذلك بأنك قد أزحت أشياء ثقيلة كانت مكدسة في أعماقك حيث أزحتها من داخلك إلى الخارج وأدخلت بدلاً منها الإيمان والنور والحب والتسامح والعطاء والأمل والتفاؤل بأنك سوف تحقق حلمك في يوم ما وستشعر بعدها بالارتواء حيث كنت ظمآن حائراً ثم وجدت النبع البارد العذب الذي ترتوي منه.

سلمان محمد البحيري

عن سلمان البحيري

كاتب أومن بالإختلاف و حرية التعبير من غير أن تمس الثوابت الدينية والوطنية وحقوق الآخرين .

شاهد أيضاً

حكاية باب‬⁩!

لا أذكر الماضي بشكل جيّد، وليس لي «شجرة عائلة» تحدد نسبي! ‏لا أعرف ـ بالضبط ـ من أي شجرة أتيت.. ‏وبالكاد أتذكر رائحة أصابع النجار وهو يعمل بمهارة  لتحديد ملامحي النهائية. ‏كنت أظنني كرسيّاً.. دولاباً.. طاولة… شباكاً.. ‏لم يخطر ببالي أنني سأكون «باباً»! ‏  ‏حظي الرائع هو الذي أوصلني لكي أكون «الباب الرئيسي» لهذا المنزل الريفي الصغير في البداية كنت أنظر لسكانه بريبة وكانت خطوات الصغيرة «سارة» تـُشعرني بالرعب لأنني أعلم أنها ستنزع مقبضي بعنف – عند فتحي – وستجعل أطرافي ترتعد عند إغلاقي..وحدها«سيدة» المنزل ستعاتب «سارة» لتصرفها غير  المهذب معي فيما يكتفي«السيّد» بالضحكات العالية لشغب طفلتهما المدللة. …

بدايات الشغف

اقتربت أمي مني وهي تضع يدها على كتفي وتقول لي ،  أنصتي إلي نحن في …