مجنون ليلى

حينما زرت صديقي البارحة إبراهيم فرح بي فرحاً شديداً واستقبلني بحفاوة وترحاب لأننا لم نرى بعضنا منذ شهرين وقد كان التواصل فيما بيننا عن طريق الإتصال بالجوال والواتس اب، وبعدها بلحظات غاب وأحضر لنا القهوة والشاي ثم أخذنا الحديث عن الأدب وكما قال لي: بأن بعض كتاباتك تلامس أعماقي ثم قال لي عندي لك قصة حقيقية أو خاطرة لكي تكتبها وسمها ما تشاء فقلت له وماهي يا إبراهيم؟!

قال ؛ كنت فتى في السابعة عشرة من عمري في مرحلة المراهقة حيث لازالت بداخلي الطفولة والبراءة وكانت حياتي عادية رتيبة أعيش بسلام حتى رأيت ليلى بنت الجيران وأنا كنت عند الباب بالصدفة حيث كنت أميل لها ونحن أطفال وبعدما كبرت وأصبحت فتاة يافعة رأيتها مرة وهي كانت تمشي لكي تركب في سيارتهم الصالون كانت تمشي كالحمامة حيث سحرتني برقتها وجمالها وجمال عينيها وشعرت بعدها بالسعادة و بأن هناك شعاع سحري أضاء ما بداخلي، لم أعرف في البداية بأنه الحب وأن كويبيد قد غرس سهمه في قلبي ، بعد ذلك تحول هذا الأشعاع إلى مشاعر رقيقة في الأعماق ، آه يا صديقي من منا لا يتذكر حب الفتاة الأولى في حياته سواء كانت بنت الجيران أو قريبه ولقد عانيت من مرارة الشوق والكتمان والقلق والسهاد ، فكل فتى منا له ليلى تظهر له في ربيع العمر حيث صرت الاحظ بأني أميل للوحدة وإلى تذوق الشعر وأنظمه في بعض الأحيان وأصبحت أميل إلى سماع بعض الأغاني الجميلة التي بها لحن شجي وكلمات جميلة بصوت جميل وأبدلت ليلى روتين حياتي إلى أنس وإلى عتمة الليالي إلى نور وأن كل شيء في الحياة به موسيقى وأنغام وجمال ، فقد كانت حياتي ساذجة وباردة فأحيت ليلى قلبي وأدخلتني في فردوس الحب حيث الطهر والجمال والكمال والمشاعر الرقيقة وهي قد بادلتني هذا الشعور الجميل ، لقد كان حباً عذرياً نقياً لا تخالطه الآثام، لقد شعرت بأن روحي محلقة في أعالي السماء خفيفة شفافة ولكن تلك الفرحة لم تدم حيث توفت في حادث مع أخيها الذي تعرض لإصابات ،وبعدها مرت على أعوام ثقيلة مظلمة كئيبة ولم يبقى لي من ذلك الحب إلا ذكريات مؤلمة مصحوبة بتنهدات من أعماق الحنايا ومستحلبة دموع اليأس من عيناي، لقد ذهبت إلى العالم الآخر ما وراء الشفق الأزرق ولم يتبقى منها إلا الإحساس بالفقد ونبضات أليمة في قلبي وقبر هناك قد وسمته بجذع شجرة الياسمين لكي أزورها ما بين فترة وأخرى في يوم الجمعة وأتصدق عنها حيث أقف عند قبرها وأحدثها وأقرأ لها بعض ما تيسر من القرآن وأدعو لها ،فلم يتبقى لها من هذا الحب إلا الوفاء لها وأنين القلب وأوجاع الروح، كنت أود بأن أنادي بأعلى صوتي لمن هم في المقبرة ليدفنوا موتاهم والموتى وأقول”هنا دفنت حبيبتي ليلى التي كانت كل آمالي وطموحاتي في الحياة والذي شاء القدر أن ينفيها إلى عالم ما وراء الشفق الأزرق بعدما توارت هنا تحت التراب  هنا أصبح تحت التراب ذلك الجمال والبراءة والطهر والرقة هنا انزوت عني أفراحي وغادرت دموعي محاجر عيناي بالأمس كانت نغمة شجية في هذه الحياة وثم أختارها القدر بعناية لكي تكون تحت الأرض فأصبحت مع الأجداث، فأصبحت إذا كنت مع الآخرين أشعر بالوحدة ،ولو سافرت أو ذهبت للبرية أتذكرها في كل مكان جميل ومع كل صوت عصفور أو قمري أو عند رؤيتي للغيوم و نزول المطر،أو حينما أكون بالقرب من البحر فأتخيل أمواج البحر الهادئة بأنها هي تحادثني وتهدأ من روعي وعندما أرى غيوم الشمس عند البحر أو في البرية أو المزرعة أتذكرها وأشعر بإنقباض في قلبي، فقد شعرت بعد ذلك بأن أكون متأملاً في هذه الحياة وعلمتني طرق البشر وميولهم وتقاليدهم وعقدهم ومتاعبهم،كما جعلتني أشعر بكل شيء صغير في هذه الحياة وقد عرفتني على صيف الأيام وشتائها وربيعها وخريفها وجعلتني أشعر بعواصف الدهر وأنوائه،لقد كنت أظن بأن هذا الحب سيستمر وأننا سنتوجه بالزواج وسنكون أسعد عروسين في هذا الكون،ولكن القدر قال كلمته وحان الرحيل و هذه سنة الله في هذه الحياة الدنيا حيث قال تعالى (ولكل أمة أجل فإذا جاء أجلهم لا يستأخرون ساعة ولا يستقدمون)،في تلك الحفرة التي تسمى قبر قد شاركت مع الجميع في حثو التراب ووضع الرفش عليها بهاتين اليدين دفنت قلبي وكنت في مراسم الدفن قد خانني الصبر والتجلد ،فبعدما دُفنت إرتميت على قبر ليلى أبكيها” فقلت له: الله يرحمها والحي أبقى من الميت ولماذا لم تتزوج فهناك الفتيات الكثيرات الجميلات سواء في السعودية أو خارجها قال صدقت ولكن ولا واحدة منهن مثل ليلى وأنا لن أتزوج فتاة لأجل الحمل والولادة لذلك أضربت عن الزواج.!!

سلمان محمد البحيري

عن سلمان البحيري

كاتب أومن بالإختلاف و حرية التعبير من غير أن تمس الثوابت الدينية والوطنية وحقوق الآخرين .

شاهد أيضاً

حكاية باب‬⁩!

لا أذكر الماضي بشكل جيّد، وليس لي «شجرة عائلة» تحدد نسبي! ‏لا أعرف ـ بالضبط ـ من أي شجرة أتيت.. ‏وبالكاد أتذكر رائحة أصابع النجار وهو يعمل بمهارة  لتحديد ملامحي النهائية. ‏كنت أظنني كرسيّاً.. دولاباً.. طاولة… شباكاً.. ‏لم يخطر ببالي أنني سأكون «باباً»! ‏  ‏حظي الرائع هو الذي أوصلني لكي أكون «الباب الرئيسي» لهذا المنزل الريفي الصغير في البداية كنت أنظر لسكانه بريبة وكانت خطوات الصغيرة «سارة» تـُشعرني بالرعب لأنني أعلم أنها ستنزع مقبضي بعنف – عند فتحي – وستجعل أطرافي ترتعد عند إغلاقي..وحدها«سيدة» المنزل ستعاتب «سارة» لتصرفها غير  المهذب معي فيما يكتفي«السيّد» بالضحكات العالية لشغب طفلتهما المدللة. …

بدايات الشغف

اقتربت أمي مني وهي تضع يدها على كتفي وتقول لي ،  أنصتي إلي نحن في …