تفرج على فيلمك

اجلِس في مكان هادئ ومنعزل مع كوب قهوة وأزح الستار وأدر ماكينة سينما خيالك عن فيلم حياتك منذ أن كنت علقة فمضغة ثم عظاما وكساك الله لحماً في رحم أمك حيث تتغذى على غذائها وترهق أعصابها حتى تصل لدرجة الوهن الشديد مع آلام ويكونك الله في رحم أمك ويصورك أحسن تصوير ويحفظك حتى تخرج باكياً إلى الحياة، ثم ترعاك أمك ولاتنام حتى تنام وترضعك من ثدييها وتخاف عليك من نسمة الهواء وحينما مرضت عدة مرات كان والداك لايغمض لهما جفن حتى تكون بخير،ثم تنظر في ذلك المشهد حينما علمك والدك وأمك الكلام والمشي وأداب الأكل والحديث حتى كبرت ودخلت المدرسة،وكنت تبكي وتريد أن لا تذهب للمدرسة لأنك تريد أمك وأباك بأن يكونا بجانبك، ويستمر الحال على ذلك لمدة أسبوع حتى تألف المدرسة والمدرس وزملاءك في الفصل، ثم تبدأ معاناتك في الدراسة وحل الواجبات وترى أن ذلك هو المشكلة العويصة في حياتك ،لأنك تريد اللعب دوماً بألعابك ومع أقرانك، وبعد مساعدة والديك وبعض أخوتك تتمكن من تجاوز مصاعب الدراسة، وكنت تفرح حينما يتم تأجيل الدراسة إذا كان الطقس غير جيد، وكان كل شيء موفر لك من والديك وبعدها تدخل المرحلتين المتوسطة والثانوية وشعرت بأن الدراسة تكون أكثر جدية وغزارة عما قبل وعندما كنت في الثانوية بآخر السنة كان همك هو المجموع الكبير لكي تتمكن من النجاح لأجل دخول الجامعة ولكي تبدأ تجرب نفسك في ميدان العمل وتتوظف بوظيفة مسائية أخذت تعرف من خلالها الحياة أكثر وتتعرف على الناس وعقولهم وتكتسب خبرة، وبعدما دخلت الجامعة كان همك تحصيل المعدل التراكمي المرتفع لكي تدخل الجامعة التي تطمح لها سواء كان في الداخل أو الخارج عن طريق الابتعاث  وبدأت الدراسة وأنت في عملك المسائي وأخذت تزداد كل يوم خبرة عن اليوم الآخر والمشهد الرائع في حياتك هو بعدما فرغت من الجامعة أردت أكمال دراستك في أحدى الجامعات الأمريكية المرموقة للحصول على الشهادة العليا، ورأيت أن هناك عالماً مختلفاً كثيراً عن بيئتك التي تربيت فيها وعن مجتمعك وربما اضطررت للعمل هناك في مطعم لغسل الأطباق حتى تفرغ من دراستك وبعد هذا التخرج الذي أسعدك وأسعد أهلك وبعدما عدت لوطنك سالماً غانماً بدأت معك معارك الحياة الحقيقية حيث ميدان العمل المحترف وأما المشهد الدرامي فهو رؤيتك للفتاة التي قد أحببتها قد زفت لغيرك لأنك لم تكن جاهزاً في وقتها وتألمت لذلك في حينها ولكنك لم تستسلم،وظللت تطارد حلمك حتى توظفت بإحدى الشركات المرموقة وأصبحت تنفع نفسك وتخدم دينك ووطنك من خلاله وكنت تواجه أحياناً الإخفاق في حياتك الشخصية والعملية وكنت تتغلب على ذلك وأحياناً تطلب المشورة من والدك أو أحد أخوتك أو أعز أصدقائك،وكل فترة تشعر بأن التزاماتك ومسؤولياتك قد زادت وأنك برغم ذلك قد حققت النجاح في بعض أهدافك وأخفقت في أخرى،كما أن هناك بعض من كانوا أصدقاءك قد شغلتهم الحياة أو أن طريقة حياتهم أو تفكيرهم أصبحت مختلفة عنك لذا لم يعد هناك أي تواصل واهتمام بإعادة العلاقات كما كانت وتظل تستعرض هذا الشريط وترى فيه أفراحك وانكساراتك وبكاءك وفشلك ونجاحك وكنت ترى أن الله في غالبية مسيرة حياتك قد أنعم عليك بنعم كثيرة لم يحظ بها الكثيرون ، فهل شكرت الله حق شكره وحينما تألمت في بعض فترات حياتك من مرض أو فقد لحبيب أو لقريب أو عزيز، أو فشل أوخسارة في مالك وعندما لجأت لله لم يخذلك ويتخل عنك أو يبخل عليك،فهل حمدت الله على أن أعانك وعوضك بالخير الكثير،فنحن نحتاج إليه دوماً في الرخاء والشدة وليس مابين وقت وآخر،ونحن بحاجة بأن نرى أنفسنا من خلال هذا الشريط لنعرف بأننا كنا نرفل في نعم كثيرة من الله،وأنه كان حليماً علينا حتى في غرورنا ومعاصينا وعدم الامتنان له ،وأننا كنا في رعايته بسبب حلمه علينا برغم تقصيرنا، ولكن إذا كنا متكلين عليه ومتواصلين معه من خلال طاعته فإنه لايضرنا لو فشلنا أو أخطأنا في الوصول لحلمنا ،ليقيننا بأن الله سيعوضنا بأحلام أخرى أجمل،لأننا بالإيمان والأمل والتفاؤل مع العمل نستطيع صنع المعجزات ، وكلمة السر هو أن دولاب الحياة حينما تدور أحداثه وحتى لو آلمنا فالله سبحانه يريد أن يصنع منا شيء جميلاً وعظيماً مع مرور الوقت لكي نصبح أقوياء لايضرنا قرب أحد أو بعده.

سلمان محمد البحيري

عن سلمان البحيري

كاتب أومن بالإختلاف و حرية التعبير من غير أن تمس الثوابت الدينية والوطنية وحقوق الآخرين .

شاهد أيضاً

حكاية باب‬⁩!

لا أذكر الماضي بشكل جيّد، وليس لي «شجرة عائلة» تحدد نسبي! ‏لا أعرف ـ بالضبط ـ من أي شجرة أتيت.. ‏وبالكاد أتذكر رائحة أصابع النجار وهو يعمل بمهارة  لتحديد ملامحي النهائية. ‏كنت أظنني كرسيّاً.. دولاباً.. طاولة… شباكاً.. ‏لم يخطر ببالي أنني سأكون «باباً»! ‏  ‏حظي الرائع هو الذي أوصلني لكي أكون «الباب الرئيسي» لهذا المنزل الريفي الصغير في البداية كنت أنظر لسكانه بريبة وكانت خطوات الصغيرة «سارة» تـُشعرني بالرعب لأنني أعلم أنها ستنزع مقبضي بعنف – عند فتحي – وستجعل أطرافي ترتعد عند إغلاقي..وحدها«سيدة» المنزل ستعاتب «سارة» لتصرفها غير  المهذب معي فيما يكتفي«السيّد» بالضحكات العالية لشغب طفلتهما المدللة. …

بدايات الشغف

اقتربت أمي مني وهي تضع يدها على كتفي وتقول لي ،  أنصتي إلي نحن في …