سر التألق في الكتابة

إذا لمعت بذهنك فكرة، فأكتبها كمسودة في الحال حتى لاتفقدها،لأن الفكرة بمثابة ومضة الفلاش تأتي في لحظة ثم تنتهي،وبعدما تفرغ من المسودة أعطي للكتابة حقها من الوقت والمزيد من المعلومات والتعمق والجودة والإتقان،ولكي تعمر لوقت طويل أعطها من قلبك وضع عليها من بصماتك ومخزونك الثقافي من جميع أنواع العلوم التي قد قرأت فيها، لكي تكون كتابتك مثرية بحيث إذا قرأها الناس يستمتعوا بما قد كتبته ولايملوا من قراءتها ،وحتى لو قرأها الأجيال القادمة من بعدك تصبح كأنها قد كتبت في عصرهم،فالكتابة تحتاج للأخلاص وإلى أن تضفي عليها من تجاربك وبما سمعته من تجارب الآخرين في الحياة، وأن تعطيها من أعماقك من خلال هدوئك الداخلي الذي تتأمل به الحياة بعين البصر والبصيرة ،من خلال قلب جميل شفاف يرى في عمق المأساة بعضاً من الملهاة وفي مايحدث من شر تأتي من وراءه الخير،وأجعل أسلوبك في الكتابة سلسلاً يلامس الأعماق ،بعيداً عن التعقيد ينبثق من روحك وأحاسيسك حتى يكون لديك أسلوبك الخاص فيك الذي لا يكتبه غيرك،وعليك أن تنظر للفكرة أو للأمر أو للموضوع من عدة زوايا لكي تحصل على نص ثري وجميل، وبعدما تفرغ من النص عد إلى ماكتبته بعد فترة وأقرأه بعين الناقد وعدل عليه إما بالإضافة أو الحذف، فالكتابة فن وتحتاج إلى فكر وإتقان وصبر مثلها مثل المهندس الذي يصمم مول أو مطار أو ناطحة سحاب أو مثل عامل الفسيفساء الذي يصمم القطعة كيف ستكون وكم مساحتها ثم يأخذ وقتاً طويلاً في رص ألوان الفسيفساء لكي في أخر المطاف يحصل على لوحة جميلة ،لذلك حينما تأتيك الفكرة وتبدأ بكتابة الجمل ،تبدأ تتجمع لديك قطع فسيفساء صغيرة متراصة بجانب بعضها حتى يكون لديك نص كقطعة فسيفساء كبيرة جميلة، كل من قرأه يتمنى بأنه قد كتبه،والكاتب حينما يكتب تجاربه في طفولته أو مراهقته أو عن خبرات شبابه في مرحلة نضجه عن معاناته وخذلانه وهزيمته وإنتصاره وفشله ونجاحه هو يصف للقارئ الأمور بدقة إنسانية وجرأة هي قد تكون عند القارئ ولكن لا يستطيع أن يعبر عنها أو يلتقط تفاصيلها،فأي كتابة لاتلامس المشاعر فليست بكتابة،والكاتب الجيد هو الذي يستطيع إلتقاط الجمال من الأشياء الصغيرة في الحياة ويضعها على الورق لتكون نصاً جميلاً حتى لو كان هذا الشيء عادي في نظر الآخرين أو قبيح ،فيصف هذا الجمال من خلال مايراه أو يسمعه أو يشعر به فالكتابة تحتاج إلى الصدق والإخلاص والتأمل والصبر وسعة الأفق والتعب وقلب نقي لكي يخرج النص كقطعة إنسانية جميلة وهذا هو سر التألق في الكتابة.

سلمان محمد البحيري

عن سلمان البحيري

كاتب أومن بالإختلاف و حرية التعبير من غير أن تمس الثوابت الدينية والوطنية وحقوق الآخرين .

شاهد أيضاً

حكاية باب‬⁩!

لا أذكر الماضي بشكل جيّد، وليس لي «شجرة عائلة» تحدد نسبي! ‏لا أعرف ـ بالضبط ـ من أي شجرة أتيت.. ‏وبالكاد أتذكر رائحة أصابع النجار وهو يعمل بمهارة  لتحديد ملامحي النهائية. ‏كنت أظنني كرسيّاً.. دولاباً.. طاولة… شباكاً.. ‏لم يخطر ببالي أنني سأكون «باباً»! ‏  ‏حظي الرائع هو الذي أوصلني لكي أكون «الباب الرئيسي» لهذا المنزل الريفي الصغير في البداية كنت أنظر لسكانه بريبة وكانت خطوات الصغيرة «سارة» تـُشعرني بالرعب لأنني أعلم أنها ستنزع مقبضي بعنف – عند فتحي – وستجعل أطرافي ترتعد عند إغلاقي..وحدها«سيدة» المنزل ستعاتب «سارة» لتصرفها غير  المهذب معي فيما يكتفي«السيّد» بالضحكات العالية لشغب طفلتهما المدللة. …

بدايات الشغف

اقتربت أمي مني وهي تضع يدها على كتفي وتقول لي ،  أنصتي إلي نحن في …