معاناة الكاتب التنويري مع الرقابة

حينما تأتي الكاتب فكرة أو تصل إليه هذه الفكرة من قارئ أو كرسائل من مواطنين عن مشكلة ما فإنه يأخذ فترة قد تطول بسبب الحيرة في كيفية كتابة المقال بأسلوب مناسب لكي لاتمنعه الرقابة أو يقص منه مقص الرقيب فيتشوه النص والمطلوب من الكاتب بأن يكتب عن هذه المشكلة ويسلط الضوء عليها  في مشروع ما في البنية التحتية لكي يتم إصلاح ذلك من باب إزالة الأذى عن الطريق وليس المقصود بأنها شخصنة ضد المسؤول أو لتصيد الأخطاء وإنما المراد هو الإصلاح لأجل نهضة الوطن، وهذا شيء جيد حينما ينشر المقال ويصبح قضية رأي عام وخاصة حينما يكون هناك فئة من المواطنين متضررين مثلاً لم يأخذوا حقهم من شركة ما أو جهة حكومية معينة،أو يكون الكلام عن إيجاد خدمات جديدة في الحياة العامة مثل المقال الذي قد كتبته وطالبت بالمترو وكان عنوان المقال المترو ترف أم ضرورة؟! ونشرته جريدة الرياض مشكورة في 5/7/1432هـ وقد جاءت عليه تعليقات كثيرة مختلفة أكثر من 30 تعليق وكان البعض يعتبره مستحيلاً والبعض متشائم والبعض الآخر يراه محرماً لأنه سيفتح مجالاً للإختلاط. أومثلاً المطالبة بإصلاحات في التعليم أو بالإقتصاد أو بالرعاية الصحية هنا يكون سقف الحرية عالي ويكون الكاتب خاصة والإعلام عامة شريكان في رحلة التنمية،ولكن إذا تسلط مقص الرقيب لإعتبارات سياسية أوإجتماعية أو دينية وغاب التنوير فإن العقول النيرة تموت وينخر الفساد في المجتمع والدولة،أما إذا كان سقف الحرية مرتفعاً فالكاتب يصرح في مقاله عن مايريد بدلاً من التلميح ويسمي الأمور بأسمائها ويكتب بحرية ولكن بشرط أن يكون لديه مصادر وبذلك يصبح مقالا ناجحاً لأنه سيصبح قضية رأي عام ،أما إذا كان سقف الحريات منخفضاً فإن الكاتب في مقاله لكي يتجاوز الرقيب فإن عليه التعويض عن التصريح بالرموز أو الكناية ، وأذكر بأني قد كتبت مقال بعنوان لماذا لم تهب رياح التغيير على الخليج العربي حيث كان وقتها بما يسمى الربيع العربي وقد نشر في جريدة الشرق السعودية في عام 16/12/2012م ولقد أرسلته في ذلك الوقت لعدة صحف سعودية لكي ينشر فرفض الرقيب نشره في تلك الجرائد وقد نشرته جريدة الشرق مشكورة والمقال الثاني كان موضوعة عن السينما ضرورة للحفاظ على ثقافتنا حيث أيضاً قد أرسلته لعدة صحف سعودية ورفض الرقيب وتم نشره في جريدة الجزيرة بتاريخ 28/2/1436هـ بالمقال الأول طالبت دول الخليج بالقيام بإصلاحات إقتصادية وسياسية لشعوبها فلن ينفعها إلا لله ثم شعوبها، وأما المقال الآخر فقد طالبت بفتح دور سينما بضوابط لأنه ضرورة للحفاظ على ثقافتنا من الغزو الفكري ولكي نحارب من خلالها الإرهاب عن طريق التوعية وصد الحملات الإعلامية المغرضة ،إذاً كلما إرتفع سقف الحرية كلما ضاقت مساحة الفساد ،وإذا أنخفض سقف الحرية زاد الفساد وهذا مايسموه بالتابو أو الطابو ومعناه المحضور التطرق إليه في نظر المجتمع وهو الثالوث المحرم الدين، السياسة والجنس، فمعاناة الكاتب التنويري مع الرقابة كانت شديدة و قد خفت كثيراً منذ عهد الملك عبدالله بن عبدالعزيز رحمه الله حيث كان الكاتب يستدعى إلى قسم الشرطة ليسئل عن جمل قد كتبها وماذا يقصد بها ،ولكن الآن مساحة حرية التعبير أفضل من السابق بسبب الإصلاحات التي تمت في الاقتصاد والتعليم والسياسة مما أدى إلى نهضة شاملة أصبح يراها من في داخل السعودية وخارجها  في جميع المجالات إستناداً لرؤية 2030 م الطموحة، فالدولة حريصة على الإستماع لمشاكل المواطنين لكي تستطيع أن توفر لهم الخدمة والرعاية المناسبتين والمحافظة عليهم ومحاسبة المسؤول الذي يتجاهل حقوقهم.

سلمان محمد البحيري

About سلمان البحيري

كاتب أومن بالإختلاف و حرية التعبير من غير أن تمس الثوابت الدينية والوطنية وحقوق الآخرين .

Check Also

حكاية باب‬⁩!

لا أذكر الماضي بشكل جيّد، وليس لي «شجرة عائلة» تحدد نسبي! ‏لا أعرف ـ بالضبط ـ من أي شجرة أتيت.. ‏وبالكاد أتذكر رائحة أصابع النجار وهو يعمل بمهارة  لتحديد ملامحي النهائية. ‏كنت أظنني كرسيّاً.. دولاباً.. طاولة… شباكاً.. ‏لم يخطر ببالي أنني سأكون «باباً»! ‏  ‏حظي الرائع هو الذي أوصلني لكي أكون «الباب الرئيسي» لهذا المنزل الريفي الصغير في البداية كنت أنظر لسكانه بريبة وكانت خطوات الصغيرة «سارة» تـُشعرني بالرعب لأنني أعلم أنها ستنزع مقبضي بعنف – عند فتحي – وستجعل أطرافي ترتعد عند إغلاقي..وحدها«سيدة» المنزل ستعاتب «سارة» لتصرفها غير  المهذب معي فيما يكتفي«السيّد» بالضحكات العالية لشغب طفلتهما المدللة. …

بدايات الشغف

اقتربت أمي مني وهي تضع يدها على كتفي وتقول لي ،  أنصتي إلي نحن في …