قيمة الإنتماء

سمعتُ وقرأت كثيرًا عن ضعف الانتماء لدى أجيالٍ من الشباب، وبرغم ذلك فقد انزعجت جدًّا حين تحداني شاب قائلًا: أنا لا أجد معنى في دعوتك إلى الانتماء الوطني … لماذا أنتمي إلى الوطن؟ أي خير يعِدني به الوطن كي أنتمي إليه؟ فليس من شَهِدَ كمن سَمِعَ. وإني من جيل يعتبر الانتماء إلى الوطن فطرة وغريزة فعلًا، يهون عليه أن يجده موضع نقاش أو سخرية. ترى ما الذي أفسد هذه الفطرة لدى البعض؟ أيكون للأيديولوجيات — كالقومية العربية واليسارية مثلًا — أثر في ذلك؟ ربما لا تخلو من أثر، ولكنها لا تمحو من القلوب حب الوطن الأصلي أبدًا، وإِذَنْ فلا بد من مزيد من البحث عن العلل.

ليس السبب هو أن الناس ينقسمون إلى أغنياء وفقراء، وأصِحَّاء ومرضى، متعلمين وأميين، ولا حتى بين عاملين وعاطلين، فقد يوجد ذلك كله ويتفهم الناس أسبابه وينشَطون لمقاومته بدون أن يتلاشى من القلوب حبهم الطبيعي لوطنهم، ولكن الأمر يختلف إذا شعر الشباب بأن الوطن لا يوزع الحب والرعاية لجميع أبنائه بالمساواة والعدل، ربما لا يساوي بينهم في المال ولا في مزايا طبيعية كثيرة، ولكنه يساوي بينهم أمام القانون ويطبق عليهم معاملة واحدة ويهيئ لهم فرصًا واحدة، إذا شعر الشباب بهذه العدالة فقد يصبر على سوء حظه إلى حين، وقد ينتظر فرصته بدون كفر أو حقد، وأما إذا اختل ميزان العدل الذي هو أساس المُلك فسوف يصادفك من يقول لك: أي خير يعِدني به الوطن حتى أنتمي إليه؟

ونحن في كل خطوة نفتقد هذا العدل: نفتقده في الطريق، في المصالح الحكومية، في المستشفيات، في الاختيار للوظائف، في شَغْل الوظائف الأعلى، في كل شيء توجد التفرِقة، حتى قتلنا قيمة الانتماء، كما قتلنا قيمة العمل، وبغير هاتين القيمتين لا يكون مجتمع، ولكن تَجَمُّع من الانتهازيين والفهلويين واليائسين.

يجب أن نعيد القيمة إلى العمل والانتماء، ولن يتطلب ذلك مِنَّا إلا سيادة القانون وتقديسه وتطبيقه بالعدل المطلق، واعتبار الإخلال بذلك جريمة اجتماعية كبرى يعاقب عليها بالسجن المؤبد.

نجيب محفوظ

المصدر مؤسسة هنداوي للتعليم والثقافة

عن سلمان البحيري

كاتب أومن بالإختلاف و حرية التعبير من غير أن تمس الثوابت الدينية والوطنية وحقوق الآخرين .

شاهد أيضاً

حكاية باب‬⁩!

لا أذكر الماضي بشكل جيّد، وليس لي «شجرة عائلة» تحدد نسبي! ‏لا أعرف ـ بالضبط ـ من أي شجرة أتيت.. ‏وبالكاد أتذكر رائحة أصابع النجار وهو يعمل بمهارة  لتحديد ملامحي النهائية. ‏كنت أظنني كرسيّاً.. دولاباً.. طاولة… شباكاً.. ‏لم يخطر ببالي أنني سأكون «باباً»! ‏  ‏حظي الرائع هو الذي أوصلني لكي أكون «الباب الرئيسي» لهذا المنزل الريفي الصغير في البداية كنت أنظر لسكانه بريبة وكانت خطوات الصغيرة «سارة» تـُشعرني بالرعب لأنني أعلم أنها ستنزع مقبضي بعنف – عند فتحي – وستجعل أطرافي ترتعد عند إغلاقي..وحدها«سيدة» المنزل ستعاتب «سارة» لتصرفها غير  المهذب معي فيما يكتفي«السيّد» بالضحكات العالية لشغب طفلتهما المدللة. …

بدايات الشغف

اقتربت أمي مني وهي تضع يدها على كتفي وتقول لي ،  أنصتي إلي نحن في …