بعض من يراني أو يقرأ كتاباتي، يقول بأنني إنساناً حالم وقد عشت وفي فمي ملعقة من ذهب، ومثالي ورومانسي وبعيد عن الواقع ،فلذلك أنا أستغرب من تعليقات البعض، وأكتم ضحكة في نفسي وأتمنى لو كان هذا صحيحا! فالحمد لله على كل حال، عموماً صيت الغنا ولا صيت الفقر ،ولكني إنسان بسيط جداً و لا أخلو من المعاناة وأموري ليست وردية كما تعتقدون،و الذي لا تعرفونه هو أنني أقضي غالبية وقتي على الأقل في العمل وبالمواصلات يومياً من وإلى العمل والمستشفى والمنزل والإهتمام بظروف عائلتي وطلبات المنزل التي لا تنتهي، لذلك أنا غالباً بيتوتي لأنني أقضي ماتبقى من يومي في البيت ،حتى يحين موعد نومي لذلك أحاول أن أقرأ وأكتب بما تبقى لي من الوقت اليسير ،ثم يأخذني النوم على حين غره كطفل غرير ، ماذا ستقولون عني لو عرفتم بأنني أنوي الإستثمار في نشر أعز الجمل والخواطر إلى قلبي وأكثرها تحليقا ورومانسية في كتاب،حتى لا يروح تعبي هباء منثوراً، والله قد رزقني موهبة بأن أتلمس الأشياء الصغيرة التي في أعماق الروح، وأسلط عليها النور الذي من الله به علي،وذلك حينما أمر بوحدي بأوقات عصيبة ثم ألتمس الإطمئنان بالقرب من الإيمان بالله وأحاول بأن أكون متفائلا وعلى أمل،ثم أحول تلك المشاعر إلى حروف لتمنح بعض الراحة و الدفء لي وللآخرين،الأسبوع الماضي دخلت محل كوفي لأجل تناول فنجان قهوة مع الدونات ،و رأيت بقربي على الطاولة الأخرى أب وإبنه يشربان القهوة ويأكلان الدونات وهما في سعادة، ولقد رغبت جداً بالسلام عليهما والتحدث معهما ،وودت أن أخبر الأب بأن هذا هو الذي سيبقى لإبنه بعد أن يتعلم درسه الأول في الحياة عن معنى الفقد، سواء حينما يكبر إبنه ويصبح رجلاً أو الرحيل بعد عمر طويل ، فتذكرت في طفولتي اللحظات الجميلة التي كنت قضيتها مع أبي وجدي يرحمهما الله،وكنت لا أتذكر اللحظات السعيدة إلا في يوم الخميس التي يأخذنا فيها والدي محمد لبيت جدي راشد أبوحيمد من جهة أمي حيث اجتماع الخوال ،ويوم الجمعة نذهب لبيت جدي عبدالعزيز البحيري حيث إجتماع العمان والعمات ،وأحيانا يأخذنا والدي إما لمشتل الخرج أو للبر في بعض الأحيان أو نذهب لمزرعة عيال عمي في القرشية بالقرب من وادي حنيفه ،أو لمزرعة إبن عمتي عبدالعزيز الخرجي في الخرج في نهاية كل أسبوع ،وكما كنا نذهب في عطلة الربيع ونخيم في البر مع جدي عبدالعزيز وعمي أبراهيم رحمهما الله ومعنا كلا من خالي محمد الحمودي وعياله وابناء محمد الخميس من جهة عمتي وأما عمي إبراهيم رحمه الله فكان يصطاد لنا في البر بعض الطيور مثل بعض انواع العصافير و الحمام والحجل وأحياناً أرانب، وأيضا كنا نذهب أكثر في الفترة الأخيرة لمزرعتنا التي في شعيب وبره بالقرب من وادي حنيفه منذ الصباح الباكر،كما أذكر المراصيع والمرقوق التي كان يصنعها جدي في المزرعه حيث كانت لذيذة جدا ، وكنا نأكل جميعا مع أبوي محمد رحمه الله وأخوتي فهد وسلطان وبحير رحمه الله وأحمد وأما من يعمل القهوة والشاي فهو جدي وأحيانا والدي هو الذي يعد لنا الفطور والغداء وكانوا يحرصون على أن نراهم وهم يعملون ذلك ،،وشذرات كهذه هي التي تبقى وترسخ في الأذهان ، أما الأحداث الكبيرةوالتي كانت قد تبدو مهمة وقتها لا أذكر منها شيئا مهما حاولت،إذاً هي الأشياء الصغيرة، فالبدايات تأتي من قلب الأشياء البسيطة،أما عن الأشياء البسيطة و الصغيرة بالنسبة له لكنها جميلة ولا تنسى ،فهي قد إرتبكت حينما تفاجأت يومها بدخوله لمنزلهم عندما رأها صدفة، وكان قد رأى سلهمت عينيها وهي قد قرأت نظرة عينيه حينما دخل منزلهم عند أخيها ليذاكرا معاً ، وكانت هي التي تحرص على أن تصنع لهما الشاي والكيك بيديها و صارت تهتم في حضوره وتسأل أخته عن تفاصيله التي معها في المدرسة لذلك أحبها، ألم أقل لكم بأن السعادة هي دوماً في الأشياء الصغيرة؟!.
سلمان محمد البحيري
شاهد أيضاً
حكاية باب!
لا أذكر الماضي بشكل جيّد، وليس لي «شجرة عائلة» تحدد نسبي! لا أعرف ـ بالضبط ـ من أي شجرة أتيت.. وبالكاد أتذكر رائحة أصابع النجار وهو يعمل بمهارة لتحديد ملامحي النهائية. كنت أظنني كرسيّاً.. دولاباً.. طاولة… شباكاً.. لم يخطر ببالي أنني سأكون «باباً»! حظي الرائع هو الذي أوصلني لكي أكون «الباب الرئيسي» لهذا المنزل الريفي الصغير في البداية كنت أنظر لسكانه بريبة وكانت خطوات الصغيرة «سارة» تـُشعرني بالرعب لأنني أعلم أنها ستنزع مقبضي بعنف – عند فتحي – وستجعل أطرافي ترتعد عند إغلاقي..وحدها«سيدة» المنزل ستعاتب «سارة» لتصرفها غير المهذب معي فيما يكتفي«السيّد» بالضحكات العالية لشغب طفلتهما المدللة. …