أحيانا تراودني فكرة التوقف عن الكتابة في كل لحظة ،بسبب شعوري بالإحباط, فقبل أن أشرع بكتابة أي شيء يمر في خاطري عدة أسئلة محيرة،لماذا تتعب في الكتابة وترهق نفسك ساعات بالبحث عن المعلومة ببعض الكتب والأنترنت أو تأخذ المعلومات من الناس ولا أحد يقدر ذلك إلا القلة،لماذا تتعب فكرك من أجل كتابة قصص وخواطر ومقالات،ولن يهتم بها سوى عدد قليل من الناس بقرأتها ولن تدر عليك بأي نفع مادي، لماذا لا تبحث عن شيء تقضي وقتك فيه وتستفيد منه مادياً ،ولكني أحاول أن أتجاهل الرد على هذه الأسئلة ، وأواصل الكتابة برغم أنني أشعر وأنا أكتب بأنني أقف وحيداً في صحراء قاحلة،و أصرخ ولا أحد يسمعني سوى صدى صوتي ،أواصل الكتابة برغم أنني أدرك جيدا بأنني أعيش في مجتمع غالبيته لايقدر الحوار الراقي وحرية التعبير والإبداع ويحتقر الكُتاب والفنانين ويعتبرهم لييرالية خونه وفاسدين، أواصل الكتابة في مجتمع غالبيته ينفرون من القراءة ويعتبرونها مضيعة للوقت ،أو رفاهية عقلية لايستطيعون تحملها, أواصل الكتابة تطوعاً برغم علمي بأن غالبية مقالاتي لن تنشر في الصحف بوقتها، وهناك أشياء منها ستبتر وبدون سبب ، وأواصل الكتابة رغم أنني أعلم أن قرائي سيظلون محدودين مهما زادوا، لذلك فكرة التوقف عن الكتابة لازالت تلاحقني عدة مرات منذ بداية مشواري الأدبي ، فقد لاحقتني أول مرة بعد أن قرأ إحدى أقاربي أول مقال لي ثم تطلع إلي بسخرية وقال لي “إن مقالك ممل وضعيف وأنت غير موهوب مثل الكاتب محمد الأحيدب ” ، فقلت له “محمد الأحيدب أستاذ وله أسلوبه وأنا لي أسلوب مختلف فإذا كنت لا أعجبك فلست مجبراً بأن تقرأ ماأكتبه أو تؤمن به” ،ثم جاءني بعض الإحباط و فكرت بالتخلي عن الكتابة بعد أن وجدت أن بعض أقربائي وأصدقائي يتهموني بالكسل والعزلة والانطواء لأنني لا أختلط بهم دوماً وقالوا لي أن ماتكتبه لن يسمعه أحد وربما تعرض نفسك للمساءلة والسجن فأبعد عن المشاكل،و فضلت أن أقضي وقتي في مكتبتي أفكر و أقرأ وأكتب،فبعد هذه المواقف بفترة أصبت بإحباط شديد في البداية وقد نجحوا بتحطيمي و توقفت عن الكتابة تماما لعدة شهور , ثم شعرت بعدها بفراغ نفسي، وبأنني أغرق و أختنق خلال تلك الفترة , شعرت بالغضب وأنني مقيد بأغلال وسلاسل ،ثم شعرت بأنه لكي أتنفس ، لابد أن أعود للكتابة وشعرت بأنه إذا أردت الحرية والتحرر من الأغلال والسلاسل، فلابد أن أنتفض وأعود للكتابة ،و قررت بأن أنشئ مدونة لي أكتب فيها ما أريد التعبير عنه من مقالات وخواطر وقصص ،لكي لا أكون تحت رحمة أحد أو في إنتظار منته عندما أقول لهم لماذا لاتنشروا مقالاتي بوقتها، حتى أستطعت بعد ذلك النهوض مرة أخرى بعد السقوط، ونجحت في مقاومة اليأس والفشل والإحباط ثم بعد الكتابة عاد لي القراء في مواقع التواصل الاجتماعي ، و من خلال هذه التجربة المؤلمة اكتشفت أن الكتابة ليست رسالة عند بعض الصحف ،و أن معايير النجاح الإعلامي عندهم لاتعتمد على موهبة الكاتب وجودة مايقدمه أو إجتهاده، بقدر ما تعتمد على الواسطه وقدرته على ترويج كتاباته بالانضمام إلى الشلل الإعلامية، والتقرب من أصحاب النفوذ في الوسط الثقافي والإعلامي والتزلف إليهم، بإختصار الكتابة بالنسبة لي هي حياة لأنها تمنحي حرية التعبير عن الأحاسيس وتشعرني بالإنطلاق ،و بأني لازلت على قيد الحياة وأني بدونها أختنق ، لذلك سأكتب لأجل أن أرضي شغفي وسأظل أعطي وأدافع عن ديني ووطني ومليكي ،وأحاول أني أقدم شيئاً مفيداً للمجتمع الذي أعيش فيه ، وهذا هو تطوعي ورسالتي التي أقدمها وأعتبر نفسي مقصراً فيها، بدون أن أنتظر ثمن أو شكر أو عرفان أو مدح من أحد ،لذلك لن أتوقف عن الكتابة حتى لو لم تنشروا لي ،لأنني أقوم بتقديم رسالة سامية وأسأل الله أن يتقبلها ويجعلها في ميزان حسناتي .
سلمان محمد البحيري
شاهد أيضاً
حكاية باب!
لا أذكر الماضي بشكل جيّد، وليس لي «شجرة عائلة» تحدد نسبي! لا أعرف ـ بالضبط ـ من أي شجرة أتيت.. وبالكاد أتذكر رائحة أصابع النجار وهو يعمل بمهارة لتحديد ملامحي النهائية. كنت أظنني كرسيّاً.. دولاباً.. طاولة… شباكاً.. لم يخطر ببالي أنني سأكون «باباً»! حظي الرائع هو الذي أوصلني لكي أكون «الباب الرئيسي» لهذا المنزل الريفي الصغير في البداية كنت أنظر لسكانه بريبة وكانت خطوات الصغيرة «سارة» تـُشعرني بالرعب لأنني أعلم أنها ستنزع مقبضي بعنف – عند فتحي – وستجعل أطرافي ترتعد عند إغلاقي..وحدها«سيدة» المنزل ستعاتب «سارة» لتصرفها غير المهذب معي فيما يكتفي«السيّد» بالضحكات العالية لشغب طفلتهما المدللة. …