البيت المظلم والحبشي القبيح

في عام 1387هـ كان يدرس سلطان في المرحلة الإبتدائية وقد بدأ يعي ماحوله في عالمه البعيد عن أسرته وهو محيطه الجديد في الحارة ثم المدرسة،وقد كانت إسم حارته الحبونية وهي حي من أحياء الرياض القديمة جعلته قد رأى أشياء هناك قد غيرت مفاهيم كثيرة لديه،وجعلت لكل قاعدة إستثناء ،فهو كأي طفل في الحارة كان يخرج بعد كل عصر ليلعب مع أقرانه في الساحة إذا لم يكن عنده مذاكرة وحل للواجب ،ويعود للبيت قبل المغرب لكي يتأهب لصلاة المغرب،حيث كان والدهم يأخذهم معه للمسجد لأداء الصلاة،

IMG_3855 IMG_3856

IMG_3852 IMG_3854

ولقد كانت هذه الساحة أو البرحة كما يطلق عليها البعض مقابلة للمنزل وكان جميع أولاد الحارة وبناتهم الصغيرات يلعبون فيها، وقد كان يعرف أسماء الجيران وأسماء أولادهم وبناتهم فهناك من الأولاد يلعب كرة قدم والآخر عكوس ومنهم من يلعب مصاقيل والبعض يلعب الدنانة والبعض الآخر يلعب طاق طاقيه وهناك من يلعب على الدراجة الصغيرة وغيرها من الألعاب الكثيرة ، ولكن كان هناك بيت أمامهم غامض جداً ومظلم وكئيب ليلاً لايعرف عنه شيئاً ، ولكنه كان يرى رجلاً غامضاً يخرج في الصباح الباكر ومعه بضعة كتب ومربي لحيته ووجهه منور ومقصر ثوبه ، ولكن لم يسبق بأن رآه أحد يصلي في مسجد الحارة وقد كان يعود هذا الرجل الملتحي الضحى أو الظهر ومن بعدها لايخرج أبداً ولا أحد يعلم عنه شيئاً هل هو متزوج أم أعزب ؟! ، أو هل لديه أولاد ؟ً! أم هل لديه والدان مسنان يعولهما فقد كان هذا الشخص مريباً جداً عند خروجه وعند دخوله المنزل حيث كان كثير الإلتفات والحذر ،وأما رجال الحارة فقد كانوا يجتمعون في المشراق لأجل تناول القهوة والشاي أو من بعد صلاة المغرب أحياناً في الساحة من بعد أن ترش بالماء حيث لم تكن الحارات مسفلتة في ذلك الوقت، وقد كان الجيران يتجاذبون أطراف الحديث والمداعبات والسؤال عن أحوال بعضهم البعض ويتكلمون عما يحدث مؤخراٌ من سرقة لبعض المنازل يقوم بها رجل أسود داهنُ جسمه بشحم سيارات حتى لايمسك ، ثم يتكلمون عن هذا الشخص الملتحي ، وكلهم قد أبدوا عدم الإرتياح ونظرتهم لهذا الشخص بريبة لأنهم لايعرفون عنه شيئاً ولم يسبق لهم أن رأوه حتى في المسجد،

IMG_3847

IMG_3846 IMG_3848

IMG_3853

IMG_3857

ولقد كانت هناك من بعد المغرب رائحة كريهة تنبعث تروح وتأتي مع تغير وجهة الهواء والرياح في بادئ الأمر،ولكنها كانت نفاذة وقوية ثم أصبحت مع مرور الأيام تقوى أكثر وأكثر وصارت تشم حتى في النهار، حينها اجمتع أبوسلطان مع جاره أبو عبدالله من بعد المغرب لتناول الشاي والقهوة في البرحة ليتشاور معه عن موضوع الرائحة فقال أبوسلطان: ألم تتضايقوا من هذه الرائحة ياأبو عبدالله فقال أبو عبدالله :بلى ولقد كنا ننام في السطح يابو سلطان ولكن هذه الرائحة الكريهة منعتنا من ذلك و أجبرتنا بأن ننزل تحت ولكن ذلك لم يجدِ فنحن قد أصبحنا حتى متضايقين في منزلنا، فقال له أبوسلطان :ومتى إستنكرتم هذه الرائحة فقال أبو عبدالله :من بعد ماسكن هذا الرجل غريب الأطوار الذي  بجانبي و لانعرف عنه شيئاً، فكأن هذه الرائحة رائحة كلب ميت فقال له أبو سلطان : مارأيك يابوعبدالله بأن أقفز من جدار السطح من عندك بعد صلاة العشاء حتى أرى ماذا يحدث في هذا المنزل الغريب المظلم الذي ضايقكم ولم يجعلكم تأخذوا راحتكم في منزلكم وضايق أهل الحارة بهذه الرائحة العفنة وقد يكون هذا الرجل خطراً على حارتنا وبيوتنا وأولادنا ونحن لانعلم فقال أبو عبدالله : أنا أكون ممنوناً لك كثيراً يا أبو سلطان وهذا معروف لك لن أنساه فقال أبو سلطان : هذا شيء مهم لحارتنا وليس بيننا معروف يابوعبدالله وأنا أكون لك شاكر لأنك ستسمح لي بأن أقفز من جدارك بحكم أن سطحك بجانب سطحه ،وموعدنا إن شاء الله الليلة بعد صلاة العشاء فقال أبو عبدالله: إن شاء الله وبعد صلاة العشاء جاء أبو سلطان وطرق الباب على أبو عبدالله فأدخله وصعدا معاً للسطح فقال أبو سلطان وهو ملثم بالغترة وهو يهمس لأبو عبدالله : أبو عبدالله كن هنا عند الجدار حتى إن شاء الله أعود إليك وإذا تأخرت كثيراً أو استنكرت شيئاً فبلغ الشرطة فقال أبوعبدالله: إن شاء الله وبالتوفيق يابو سلطان وعندما قفز أبو سلطان الجدار بحذر وصار في سطح بيت غريب الأطوار تلفت أبو سلطان يمنة ويسرة وأخذ يتقدم بهدوء حتى وصل لجداربطن الحوي الذي يطل على أسفل المنزل ، ثم حينما طل منه رأى شيئاً قد هاله وجعله مذهولاً !!! فقد شم رائحة كريهة جداً ثم رأى الرجل الملتحي وهو لا بس إزاراً وعنده رجل أسود ضخم بشع لم يسبق بأن رآه، يتعاونان ويحركان السائل الذي في البراميل ثم رأى القاذورات في كل مكان والجدران عليها ضواطير ومبيضة عليها ورأى في الأرض الصراصير من كل صوب ، فتراجع أبو سلطان بحذر وعاد لجدار جاره أبو عبدالله ثم قفز حيث كان جاره أبو عبدالله في انتظاره وحينما رأه مذهولا وفاك اللطمة ويريد أن يتنفس قال له بهمس :الحمد لله على سلامتك وقال طمني ماذا رأيت ؟! فقال أبو سلطان بهمس :أنزل ونكمل حديثنا تحت فلما نزلوا من السطح قال له أبوعبدالله:ماذا رأيت ؟! قال أبو سلطان : قد رأيت الشر الذي كان سيدمر حارتنا وبيوتنا وأولادنا ، وكان أول من سيطول هذا الشر هو بيتك وأهلك وأولادك لأنك الجار الملاصق له وقال أبو سلطان مستطرداً: لازم يابوعبدالله نبلغ الشرطة لقد كان جارك الذي كان ظاهره الدين والتقى يقطع عرق ” خمر” في منزله ومعه حبشي قبيح في البيت يعاونه ثم نظر أبو عبدالله لأبو سلطان وهو مذهول مما سمع ثم قال أبو عبدالله توكلنا على الله ،ثم ذهبوا معاً لقسم الشرطة وبلغوا عن ماحدث ثم أمر الضابط بقوة وجاءت الشرطة وداهموا المنزل من البداية من بيت أبو عبدالله عن طريق السطح وقبض على غريب الأطوار ومعاونه الحبشي القبيح ومع التحقيق أعترف الحبشي بأن كان يدهن جسمه بشحم السيارات ليسرق بعض المنازل ثم لم تأتِ صلاة الفجر وقبل أن يذهب الأولاد وبنات الحارة للمدارسهم إلا وأهل الحارة يرون أن البراميل قد أريقت في الشارع وأصبحت رائحة الحارة نتنة ولكن ذلك يهون مادام أنها ستنظف وتصبح آمنه ولن يدخلها من هم محل للشبهة، فعرف سلطان بأنه ليس من كان مظهره التدين فهو ملاك ويريد الخير لأن هناك من يتاجر بالدين في تعامله مع الناس لأجل تحقيق غاية في نفسه فيكون الدين وسيلة وليس هدفاً لأجل الوصول للمصلحة وقد عرف من خلال ماحدث بأن الدين بالمعاملة وليس بالمظهر، ولقد عرف ذلك أكثر بعد بضع سنوات قليلة حينما حدثت فتنة جهيمان والمغرر بهم في الحرم المكي وتم قتل الناس فيه باسم الدين لطلب المبايعة للمهدي المنتظر،لذلك صارت مقولة يرددها سلطان أحيانا وهي” قبل أن تتحدث عن الدين والرجولة دعني أرى ذلك أولاً في تعاملك مع الآخرين”،قال إبن رشد : التجارة بالأديان، هي التجارة الرائجة في المجتمعات التي ينتشر فيها الجهل.

سلمان محمد البحيري 

About سلمان البحيري

كاتب أومن بالإختلاف و حرية التعبير من غير أن تمس الثوابت الدينية والوطنية وحقوق الآخرين .

Check Also

حكاية باب‬⁩!

لا أذكر الماضي بشكل جيّد، وليس لي «شجرة عائلة» تحدد نسبي! ‏لا أعرف ـ بالضبط ـ من أي شجرة أتيت.. ‏وبالكاد أتذكر رائحة أصابع النجار وهو يعمل بمهارة  لتحديد ملامحي النهائية. ‏كنت أظنني كرسيّاً.. دولاباً.. طاولة… شباكاً.. ‏لم يخطر ببالي أنني سأكون «باباً»! ‏  ‏حظي الرائع هو الذي أوصلني لكي أكون «الباب الرئيسي» لهذا المنزل الريفي الصغير في البداية كنت أنظر لسكانه بريبة وكانت خطوات الصغيرة «سارة» تـُشعرني بالرعب لأنني أعلم أنها ستنزع مقبضي بعنف – عند فتحي – وستجعل أطرافي ترتعد عند إغلاقي..وحدها«سيدة» المنزل ستعاتب «سارة» لتصرفها غير  المهذب معي فيما يكتفي«السيّد» بالضحكات العالية لشغب طفلتهما المدللة. …

بدايات الشغف

اقتربت أمي مني وهي تضع يدها على كتفي وتقول لي ،  أنصتي إلي نحن في …