من يقوى على الامتنان؟!

أين ذهبت تلك القيم الجميلة التي بداخلنا مثل العفو، والتسامح والوفاء والرحمة والحلم وحب الخير والطيبة وحسن الظن بالآخرين والأمانة ،والضمير ….الخ لماذا اختفت وأصبحت مختبئة في داخلنا المجروحة التي تنزف بسبب واقع قاسٍ بسبب طعنات من قريب أو حبيب أو صديق ومازالت الحنايا بداخلنا مجروحة متألمة تنزف من كثرة الطعنات ، فكيف سننقذها ونحافظ عليها ونجعلها تعود الى الحياة مرة أخرى وتؤدى الدور الذى خلقت من أجله ، حتى لا تنهار في هذه الحياة القاسية،فالبعض يقول بيأس لماذا لا نكون سيئين مثل الذين قد اساؤوا لنا لماذا لا ننتقم حتى نشعر براحة من الألم ؟،ويزعمون بأن الحياة قد أصبحت غابة بلا حب ولا وفاء ولا صدق ولا أمل !!! وهل الحياة قد أصبحت فعلاً بكل هذا القبح أم أننا أصبحنا بقمة التفاهة والغباء حتى لا نرى مواطن الجمال بها؟

أصحيح أن نظرتنا المحدودة اليائسة و السلبية تجعلنا لا ندرك نور الحقيقة ؟وكيف سنستطيع تغيير تلك النظرة السوداوية للحياة ولماذا نهلك أنفسنا بالقلق والحزن والكآبة والكراهية والحقد وحب الانتقام والوحدة ،و تجعلنا نقيم كل شىء يحدث معنا على أنه حظ سيء ومؤلم فقط لنا عن الناس ؟

لذلك علينا أن نتعلم فضائل الحلم و الصبر والتسامح والتجاوز وأن نحتسب ذلك لله وأن نقول بأن ذلك كان خيرة لنا ونكتسب خبرة مداواة الجروح والتعالي على الأحقاد والأفكار السوداوية ، وهذه من صفات أولي العزم وتصل بالإنسان لدرجة الإحسان لذلك علينا أن نكون ممتنين ونقول الحمد لله على كل حال حتى نشفى من كل المشاعر السلبية التى ستؤرقنا وتشوه الجمال الذى بداخلنا وحولنا لكي نرتقى بأنفسنا و أفكارنا و مشاعرنا وأخلاقنا وتعاملنا مع الآخرين ومع الحياة بكل ما فيها وبكل ما مررنا به وما سنمر به فبذلك سنستطيع رؤية كل شىء يحدث معنا و مانمر به بأنه نعمة وهدية من الله حتى لو كان إبتلاءً عظيماً فيجب بأن تمتلئ عقولنا وأرواحنا وقلوبنا بالرضا والامتنان لله ولنعمه الكثيرة التى لا تعد ولا تحصى، وبذلك نجعل الامتنان أسلوباً ومنهجاً لحياتنا؟حتى لو كانت الروح مجروحه تنزف من الصدمات والخذلان والغدر تنزف من كثر الطعنات فإنه لابد أن نحمي الروح ليس بالرد بنفس المشاعر السلبية ولكن نعالج ذلك بالإيمان بالله والامتنان وتقول الحمد لله على كل حال ونحاول أن نسامح ونعطي الحب لأننا سنتلقاه فيما بعد أو نتجاهل ونبتعد، فحينما نحمد الله على الاشياء الصغيرة والتي وهبها الله لنا فإننا ستتلقى المزيد من النعم لأن الله قال ” لئن شكرتم لأزيدنكم” وان نظهر نعمة الله علينا بالحمد فكلما سخرت قوة الحب في حياتنا لعبادة الله والخير فإننا نلغي الكراهية والسلبية من حياتنا ويرتد هذا الخير لنا بعد ذلك، ومن المستحيل أن نشعر بالحزن لأننا نحمد الله وممتنين له على سمعنا وبصرنا وسلامة عقولنا وحواسنا وصحتنا وجمال شكلنا، كما أنه من الإمتنان أن نتأمل هذا الكون وأن الله قد خلقه لنا فيه من سماء وشمس وقمر ونجوم وأفلاك وليل وأنهار وارض وانهار وبحار واشجار وطيور و حيوانات ومطر ونباتات وزهور وفواكه وخضار وماء ونعم كثيرة لا تعد ولا تحصى كلها مسخرة لنا لتكون حياتنا جميلة ولكي نعبد الله ونشكره فهل حمدنا الله على أننا نستطيع النوم وهناك آخرين لا يستطيعون النوم إلا بمهدئات وهل حمدنا الله أننا استيقظنا الصباح فهناك من نام ولم يستيقظ و هل نحن ممتنين لصحتنا و هل نراقب أنفسنا حينما تمرض ونرى ضعفنا ونشعر بألمنا ونرى ضعف أنفسنا كيف تكون وهل نحن ممتنين للشخص الذي يحبنا ونحبه فماذا لو حرمنا الله منه ،وهل نحن ممتنين للماء فماذا لو فقدناه يوم ماذا سنشعر ؟! وهل نحن ممتنين لسيارتنا فماذا لو تعطلت ولم نذهب لمدرستنا أو أعمالنا، وهل نحن ممتنين للكهرباء فماذا لو انطفأت يوماً كاملاً فماذا سنشعر ، ويجب علينا بأن نكون ممتنين حينما نجد طعاماً لنأكله فهناك آخرون لا يستطيعون أن يأكلوا أما لمرض أو لأنهم لا يملكون ما يأكلونه ،وحينما يرزقنا الله بملابس جديدة فلنحمد الله على ذلك، لأن هناك آخرين لايملكون لبساً جديداً ، إذاً فلنحمد الله على هذه النعم البسيطة ،ونكون ممتنين لها فالامتنان يمنحنا راحة البال والرضا، والله يرزقنا بالزيادة والغنى والامتنان لا يكلفنا شيئاً، ولكن يتطلب منا عدم جحود نعم الله علينا وعدم التشكي والتذمر وفي حديث قدسي عن أبي هريرة – رضي الله عنه – قال : قال النبي – صلى الله عليه وسلم – :

يقول الله تعالى : ” أنا عند ظن عبدي بي ، وأنا معه إذا ذكرني ، فإن ذكرني في نفسه ذكرته في نفسي ،

وإن ذكرني في ملأ ذكرته في ملأ خير منهم ، وإن تقرب إلي بشبر تقربت إليه ذراعا ، وإن تقرب إلي ذراعا

تقربت إليه باعا ، وإن أتاني يمشي أتيته هرولة” .(رواه البخاري و مسلم) .لذلك لا تبدأوا يومكم بتذكر مشاكل أو جروح قديمة ولا بكثرة الجدال مع أنفسكم وتأنيبها أو كثرة الجدال مع أشخاص ولكن أبدأوا يومكم بما يفرحكم وبما يشعل نور الحياة بداخلكم وكونوا متفائلين وممتنين بحياتكم لله واقتربوا من الأشخاص الايجابين وأبتعدوا عن الكآبة والكئيبين والمحبطين والحاقدين فإنكم إن فعلتم ذلك كونتم هالة ايجابية حولكم وجعلتم لأنفسكم جاذبية وأخذتم من الكون ‘شراقة شمس الصباح وجمال غروبها في المساء وجمال الطبيعة والنهر ورائحة النباتات والزهور والأمل واليقين بالرزق من الله كما عند الحيوانات وغير ذلك كثير فهذه الأمور تمدكم بالطاقة الإيجابية وهذه الذي دعانا إليه الله سبحانه في كتابه الكريم بأن نتأمل في خلق الله والسموات والارض حتى نكون ممتنين لله دوماً وأن نستشعر النعم الصغيرة التي انعم الله بها علينا حتى نحمد الله دوماً بما نحن فيه من نعم كثيرة، لكي تتكون لديكم طاقة هائلة لجذب النعم وتستخدمون قوة الحمد والتفاؤل وبذلك تتحقق الأماني لأننا موقنين في رب كريم

ويقول الشاعر إيليا أبو ماضي:-

كن جميلاً ترَ الوجود جميلا

وليس فقط الامتنان في النعم ولكن حتى في ماتجاوزناه من محن واعاننا الله عليها وبذلك تكون حياتنا أكثر راحة بال ورضا والامتنان أيضا يسعد أنفسنا على الشفاء من جروحها الداخلية لأنها تسامح مما يجعلنا نعيش مطمئنين متناغمين ومستمتعين بالعيش في الحياة ومع وأهلها.

سلمان محمد البحيري

عن سلمان البحيري

كاتب أومن بالإختلاف و حرية التعبير من غير أن تمس الثوابت الدينية والوطنية وحقوق الآخرين .

شاهد أيضاً

حكاية باب‬⁩!

لا أذكر الماضي بشكل جيّد، وليس لي «شجرة عائلة» تحدد نسبي! ‏لا أعرف ـ بالضبط ـ من أي شجرة أتيت.. ‏وبالكاد أتذكر رائحة أصابع النجار وهو يعمل بمهارة  لتحديد ملامحي النهائية. ‏كنت أظنني كرسيّاً.. دولاباً.. طاولة… شباكاً.. ‏لم يخطر ببالي أنني سأكون «باباً»! ‏  ‏حظي الرائع هو الذي أوصلني لكي أكون «الباب الرئيسي» لهذا المنزل الريفي الصغير في البداية كنت أنظر لسكانه بريبة وكانت خطوات الصغيرة «سارة» تـُشعرني بالرعب لأنني أعلم أنها ستنزع مقبضي بعنف – عند فتحي – وستجعل أطرافي ترتعد عند إغلاقي..وحدها«سيدة» المنزل ستعاتب «سارة» لتصرفها غير  المهذب معي فيما يكتفي«السيّد» بالضحكات العالية لشغب طفلتهما المدللة. …

بدايات الشغف

اقتربت أمي مني وهي تضع يدها على كتفي وتقول لي ،  أنصتي إلي نحن في …