من رحم الألم و المعاناة يولد الإبداع

إن معاناة الكُتاب مع الالم والفقر والحب والمرض واليأس والقلق هي العوامل الحقيقية التي صنعت الكُتاب وليس الحياة المخملية وحياة الرفاهية والراحة والأندروفين وهرمون السعادة ، فالكاتب الذي يريد أن يبدع ويحقق الخلود الأدبي فإن عليه أن لا يقمع روحه المتألمة وليجعلها تفضفض وكذلك يجعلها تعبر عن معاناة الآخرين ، او يكتب قصصاً من الخيال تتكلم عن ذلك ، يقول فرانكل “بان المعاناة هي الدرس الذي تستطيع من خلاله استخراج كل معاني الوجود ذات القيمة الحقيقية ، فمن المستحيل أن تولد هذه المعاني من مكونات الوجود الترفيهي ، إنها تولد وتأتي للإنسان الذي يحمل بين أضلاعه قلقاً حقيقياً وبعداً مغايراً في التفكير عن الآخرين السطحيين بحيث يفكر خارج الصندوق، فالمعاناة تكسبها رؤية مختلفة” ويقول سارتر”إن الأشخاص الذين يستيقظون في الصباح ولا يتذكرون أحزانهم والمآسي التي تمر فيها البشرية ليسوا بشراً ، لأنهم أقرب إلى العدم والعدم كذلك قريب جداً إليهم”وقال نيتشه الفيلسوف الألماني”إن النظر إلى المعاناة على أنها شر وأمر يجب إبطاله هو غباء أشد خطورة” كما عبر عن ذلك في مقولته المشهورة “ذلك الذي لا يقتلني يقويني” كما قال” لايمكن النضوج وتحقيق الذات بدون جرعات الألم والمعاناة بل وأكثر من ذلك المصدر الأكبر لسعادتنا يقطن قريباً من مصدر معظم آلامنا وأن لا أحد يستطيع الوصول لدرجة رائعة من الإبداع والإنتاج بدون التجربة، ولا أن يصبح عاشقاً ناجحاً ولا أن يصل إلى تحقيقاته من المحاولة الأولى،فالمسافة مابين النجاح والفشل وبين من نحن اليوم ومن نريد أن نكون عليه في المستقبل ، يملؤها الألم والقلق والحسد والإهانة ، نحن نعاني لأننا لانستطيع تحقيق ذواتنا بشكل عفوي وسريع “ويقول الفرد موسيه “لاشيء يجعلنا عظماء ، غير ألم عظيم”فالكتاب والعلماء والرسامين والفنانين والشعراء يكمن سر إبداعهم هو في معاناتهم مع الآلام والحرمان والتي تجعل لهم أجنحة يحلقون بها في سماء الفكر والابداع وتصعد بهم إلى معارج و مشارف العطاء الإنساني الحضاري ليس فقط في الأحاسيس والمشاعر الانسانية الأليمة الراقية بل ويجعلونها ثقافة إنسانية مختزلة لمن أراد البحث عن النور والجمال في ظلمة الأيام فهذا جهد ذهني وعصبي إنساني عظيم ، لايقدره إلا من كان يزاول ذلك أو يشعر به ، فالألم والمعاناة والخيال مصادر لإلهام الكاتب وموظفة للأفكار والقدرات وهذا سبب نجاح الكتاب فبعضهم قد إصطدم بمعاناة الفقر والحرمان وبعضهم بالمرض وبعضهم بالفقد وبعضهم بالظلم فأصبح ذلك وقوداً يلهب المشاعر و يصل للقلوب و يلهم العقول مما جعلهم يستطيعون التعبير عن الصرخات المكبوتة والأنات المؤلمة التي بداخل القلوب ، فكل شيء في هذه الحياة لا يأتي إلا بكبد ومعاناة ، فالنجاح يولد بعد معاناة مع الفشل، والحب يولد من الفقد، والثورة تولد من ألم الظلم، والعلم يولد من الجهل، والاختراع يولد من الحاجة، فبعض الكتاب والرسامين والشعراء قد أبدعوا في أعمالهم في معمعة الحروب ووسط صوت المدافع والبنادق وازيز الرصاص وقصف الطائرات والمخيمات والجوع ، وهناك من أبدعوا في مرضهم ومن ضمن هؤلاء الإمام الترمذي حيث حفظ أحاديث عن الرسول عليه الصلاة والسلام وهو أعمى ومن ضمن مؤلفاته كتاب الجامع الصحيح سَنَن الترمذي وكذلك منهم عميد الأدب العربي الدكتور طه حسين حيث كان يعاني من العمى أيضاً حيث نشأ في أسرة فقيرة واصيب بالعمى وهو في سن مبكرة وقد نال جائزة في حقوق الانسان من هيئة الامم المتحدة وقد حصل عليها قبل وفاته ومن أشهر مؤلفاته الشعر الجاهلي وكتاب على هامش السيرة كما ان له الكثير من الروايات مثل رواية الأيام ورواية الحب الضائع ورواية دعاء الكروان وحاز على جوائز في الأدب العربي ، وأما بيتهوفن الذي قد ألف السمفونيات وهو قد أصيب بالصمم وعمره خمس وعشرون سنة فالألم والحرمان هو سبب الإبداع للكتاب والفنانين لأنه يلهب المشاعر بزفرات فنية كلها إبداع لأنها تخرج من صميم القلب بمشاعر صادقة فغالبية الإبداع الإنساني قد جاء من ذلك لأنه يولد من رحم المعاناة.

سلمان محمد البحيري

عن سلمان البحيري

كاتب أومن بالإختلاف و حرية التعبير من غير أن تمس الثوابت الدينية والوطنية وحقوق الآخرين .

شاهد أيضاً

حكاية باب‬⁩!

لا أذكر الماضي بشكل جيّد، وليس لي «شجرة عائلة» تحدد نسبي! ‏لا أعرف ـ بالضبط ـ من أي شجرة أتيت.. ‏وبالكاد أتذكر رائحة أصابع النجار وهو يعمل بمهارة  لتحديد ملامحي النهائية. ‏كنت أظنني كرسيّاً.. دولاباً.. طاولة… شباكاً.. ‏لم يخطر ببالي أنني سأكون «باباً»! ‏  ‏حظي الرائع هو الذي أوصلني لكي أكون «الباب الرئيسي» لهذا المنزل الريفي الصغير في البداية كنت أنظر لسكانه بريبة وكانت خطوات الصغيرة «سارة» تـُشعرني بالرعب لأنني أعلم أنها ستنزع مقبضي بعنف – عند فتحي – وستجعل أطرافي ترتعد عند إغلاقي..وحدها«سيدة» المنزل ستعاتب «سارة» لتصرفها غير  المهذب معي فيما يكتفي«السيّد» بالضحكات العالية لشغب طفلتهما المدللة. …

بدايات الشغف

اقتربت أمي مني وهي تضع يدها على كتفي وتقول لي ،  أنصتي إلي نحن في …