أسئلة وجودية في يوم غير عادي

كان في ربيع عام  1975م  في مدينة الرياض في حارة الحبونية وكنت وقتها لازلت طفلاً في المرحلة الأبتدائية كان يوماً بالنسبة لي غير عادياً بكل المقاييس ،لأنه كان علامة فارقة في تكويني النفسي و الثقافي بعد ذلك على حد سواء،فقد حدث ذلك في صباح يوم الخميس بينما كنت ذاهباً لملعب الكورة في الحارة الذي كنا نلعب فيه، حيث وقعت عيني على كتاب صغير، كان مرمياً على الطريق الترابي في الحارة ويكسوه التراب والأوساخ و لا أظن أحدا قد إكثرت له كان عليه أثر أقدام المارة و العابرين لمدة حسبتها طويلة، لأن الورق قد إصفر لونه وإهترأ بعضه فأخذته  ومسحت التراب من عليه وفرحت به وكأنه كنز أثري وعرفت بأنه قصه لأن على غلافه صورة مرسومه ،وعندما عدت به للبيت ورأته أمي في يدي نهرتني بشدة وأمرتني برميه لكي لا اوسخ ملابسي وأن أغسل يدي بالصابون تجنباً للأمراض والحساسية فنظرت لها مبتسماً وقلت لها إن شاء الله ،وأنا في نفسي قررت قراءة هذه القصة في السطح وأنا كنت شغوفاً بالقراءة ثم قررت أن أرقى الدرج لأقرأ هذه القصة في سطح المنزل بهدوء وحتى لو كانت بعض الصفحات بالية فأختليت بنفسي في غرفة أخي عبدالله الكبير الذي كانت غرفته مفتوحة ولايوجد بها أحد حيث لازلت أذكرها، وعندما بدأت في تصفحها كانت قصة جميلة للكاتب المصري محمود سالم باسم المغامرون الخمسة ،وعرفت بعد ذلك بأنها مترجمة لسلسلة قصص بوليسية إنجليزية شهيرة باسم كاشفوا الأسرار الخمسة بالإنجليزية:Five Find-Outers وقام بعد ذلك بتأليف القسم الأكبر منها، صدر منها عشرات الكتب من دار المعارف وقدمت في عدة مسلسلات كرتونية، ويقوم ببطولتها خمسة من الأولاد تترواح أعمارهم مابين التاسعة والرابعة عشرة وهم نوسة ولوزة وتختخ وعاطف ومحب وكلبهم زنجر، فقلد كان محمود سالم كاتباً و مترجما جميلا لهذه القصص الجميلة التي كانت غامضة وجميلة ولا تعرف القصة كيف ستنتهي ،قرأت تلك المغامرات في تلك القصة و وجدتني في رمشة عين أحب القراءة ولازلت اطرح على نفسي عدة أسئلة وجودية لماذا هذه القصة هنا ولماذا تركها القدر  في طريقي ولماذا جعلني الله اقرا هذا في صغري ثم أخذت اقرأ كثيرا في قصص من اصدار المكتبة الخضراء حيث القصص القصيرة المرسومة بالصور الملونة  حيث كنت أستعيرها من مكتبة المدرسة  ثم  كانت اول روايتين قرأتهما في صغري  كانت هي أحدب نوتردام  والبؤساء لفيكتور هيجو من مكتبة عمي أبراهيم رحمه الله ، عموما أحببت قصة المغامرون الخمسة بدون إستثناء حيث نجح الكاتب أن يشدني لمغامراتهم لدرجة بأنني كنت متحمس وأريد مساعدتهم ،ولقد أعدت قراءة تلك الصفحات مرات ومرات ولقد كانت تمثل لي متعة فكرية وإنسانية لا تضاهى في الغموض وفي الحبكة والعقدة وشمولية التحليل، بعيداً عن القصص الكلاسيكية المتداولة، ولقد شدتني هذه القصة بالكاتب والأبطال مما جعلني عاشق للغتنا العربية و إستقلالية الرؤية وصورها الفنية الخلاقة كان عثوري على تلك القصة ملقاة في الطريق من أجمل الذكريات في حياتي، فكان كل قصة أكتبها بعد ذلك صرت أتذكر الأستاذ محمود سالم فأعتقد بأن عثوري على هذه القصة المهترئة قبل عدة عقود لم يكن صدفة،عفوا ياأستاذي محمود سالم إشتقت إليك ولأسلوبك الجميل، ورحمك الله وأسكنك فسيح جناته.
سلمان محمد البحيري

عن سلمان البحيري

كاتب أومن بالإختلاف و حرية التعبير من غير أن تمس الثوابت الدينية والوطنية وحقوق الآخرين .

شاهد أيضاً

حكاية باب‬⁩!

لا أذكر الماضي بشكل جيّد، وليس لي «شجرة عائلة» تحدد نسبي! ‏لا أعرف ـ بالضبط ـ من أي شجرة أتيت.. ‏وبالكاد أتذكر رائحة أصابع النجار وهو يعمل بمهارة  لتحديد ملامحي النهائية. ‏كنت أظنني كرسيّاً.. دولاباً.. طاولة… شباكاً.. ‏لم يخطر ببالي أنني سأكون «باباً»! ‏  ‏حظي الرائع هو الذي أوصلني لكي أكون «الباب الرئيسي» لهذا المنزل الريفي الصغير في البداية كنت أنظر لسكانه بريبة وكانت خطوات الصغيرة «سارة» تـُشعرني بالرعب لأنني أعلم أنها ستنزع مقبضي بعنف – عند فتحي – وستجعل أطرافي ترتعد عند إغلاقي..وحدها«سيدة» المنزل ستعاتب «سارة» لتصرفها غير  المهذب معي فيما يكتفي«السيّد» بالضحكات العالية لشغب طفلتهما المدللة. …

بدايات الشغف

اقتربت أمي مني وهي تضع يدها على كتفي وتقول لي ،  أنصتي إلي نحن في …