يحكى أن أربعة من العميان أرادوا أن يتعرفوا على شكل الفيل، ولم تكن لديهم أية فكرة سابقة عنه، وكانت وسيلتهم الوحيدة للتعرف عليه هي عن طريق اللمس، فلما أُحضر الفيل إليهم، وقعت يد أحدهم على رجليه، ووقعت يد آخر على نابه، بينما وقعت يد الأخير على أذنه، فلما سألهم أحد العميان الذي لم تتح له فرصة اللمس، فكانت أجوبتهم مختلفة، فقال الذي لمس الرِجل: إن الفيل ما هو إلا مثل أسطوانة خشنة الظاهر إلا أنه ألين منها، وقال الذي لمس الناب: ليس كما يقول، بل هو صلب لا لين فيه، وأملس لا خشونة فيه، وليس في غلظ الأسطوانة أصلاً، بل هو مثل عمود، فأعترض الذي لمس الأذن قائلا: ما قيل ليس صحيحاً، فما هو بعمود ولا هو مثل أسطوانة، وإنما هو مثل جلد عريض غليظ، فمشكلة هؤلاء العميان لم تكن في صدق أحدهم أو كذب الآخر، ولكن مشكلتهم أنهم نسوا أنهم عميان، وأن وسيلتهم فى المعرفة هي اللمس، وأنه من الجائز جداً أن يكون كل منهم لمس جزءا من الفيل، ولم تتح له الفرصة كي يتعرف على بقية أجزائه، فلو كلّف أحدهم نفسه أن يفكر قليلاً لأستوعب حقيقة الأمر، ولجمع الرؤى المتعددة وكون بها صورة كاملة عن الفيل، لكنه الغرور الذي يُخيِّل لصاحبه أنه يعرف الحقيقة المطلقة، والعمى الحقيقي هو الذي يعمي العقول قبل أن يعمي الأبصار،فهؤلاء العميان هم نحن، و وسائلنا في المعرفة محدودة، ولكن غطرستنا لا حدود لها، وندعي معرفتنا بكل شيء من خلال علمنا القاصر والمحدود، لذلك إلمس ما شئت من فيل المعرفة وحقائق الأمور، لكنك في النهاية لن تحصل سوى على جزء يسير من الحقيقة، وبقية الحقيقة لدى الآخرين، لذلك إحترم رأي الآخر ولا تصادره تكتمل رؤيتك،ولا تتغطرس بما لديك من معرفة، لأنك لن تعرف من العلم إلا قليلا ولن يكون نصيبك سوى وهم معرفة لا أقل ولا أكثر.
سلمان محمد البحيري
شاهد أيضاً
حكاية باب!
لا أذكر الماضي بشكل جيّد، وليس لي «شجرة عائلة» تحدد نسبي! لا أعرف ـ بالضبط ـ من أي شجرة أتيت.. وبالكاد أتذكر رائحة أصابع النجار وهو يعمل بمهارة لتحديد ملامحي النهائية. كنت أظنني كرسيّاً.. دولاباً.. طاولة… شباكاً.. لم يخطر ببالي أنني سأكون «باباً»! حظي الرائع هو الذي أوصلني لكي أكون «الباب الرئيسي» لهذا المنزل الريفي الصغير في البداية كنت أنظر لسكانه بريبة وكانت خطوات الصغيرة «سارة» تـُشعرني بالرعب لأنني أعلم أنها ستنزع مقبضي بعنف – عند فتحي – وستجعل أطرافي ترتعد عند إغلاقي..وحدها«سيدة» المنزل ستعاتب «سارة» لتصرفها غير المهذب معي فيما يكتفي«السيّد» بالضحكات العالية لشغب طفلتهما المدللة. …