من أين السعادة وكيف ؟!

كنت مسافراً منذ فترة لتركيا وسكنت في فندق في إسطنبول حيث كان جناحي في الدور الثاني عشر، وفي البداية كنت متردداً من السكن في هذا العلو لأنه لدي نوع من الخوف قليلا من الأماكن المرتفعة “فوبيا ” لأنني لم أتعود على ذلك وكان سكني على إطلاله ترى كل شيء غالبه أخضر وكان المنظر ساحراً ليلاً ومنظر البحر أمامي كمدينة ألعاب ضخمة،بحيث من أعلى أرى على مد البصر أنوار المنازل الملونة والشُقق والشوارع والسيارات تتلئلئ وتومض وتخفت بزهوّ في الزجاج والبحر.
كل ذلك أراها حينما أكون جالساً أمام النافِذة العملاقة بغرفة المعيشة، وعندما تكون الستائر مشرعة على أخِرها، وكما أن المنظر يكون ساحراً وجميلاً في لحظة غروب الشمس حيث تغرب برِقّة عندما يحتضنها البحر، وتنعكس نوافذ الشُقق الأُخرى نورها فيبدو أن أمامي شمسان تغرُبان ، ولقُرب مسكني من المطار تكون الطائرات ضخمة للغاية حين تُحلق فوق القندق
وكنت في الصباح اتأمل الشُرفات في البيوت المُقابِلة، فأرى سيدة تسقى النباتات التي في الأحواض والورود وهناك سيدة أيضاً تجلس في الشرفة لتشرب قهوتها لتتمتع بنور الشمس وأشعتها الذهبية الدافئة، ولكي تلاعب الكروان الذي في القفص، وسيدة أخرى تقف بطفلها ليُشاهد المنطقة برؤية أكبر ويستكشفها بعينيه الصغيرة، ونافذة أُخرى مفتوحة ويظهر من خلالها مكاتب بشاشات كمبيوتر متعددة، يبدو أنه مكتب عمل لشركة.
وعندما نزلت وأعطيت كرت الجناح لموظف الإستقبال وقررت بأن أمشي لمسافة طويله لكي أستكشف المنطقة التي من حولي فرايت منازل جميلة وملونة بحدائق عند مدخل المنزل بدون أن يوضع عليها شبك عالي حيث توجد بها مختلف النباتات كما هناك بعض الأشجار المثمرة.

ثم مررت محلات القهوة وبعض المطاعم الصغيرة التي تعمل في الصباح الباكر فخرجت على الشارع وأنا أشم الهواء النقي وقررت بان أجلس في محل قهوة بجلسة خارجية لكي أستمتع بفنجان من الشاي المنعنش وكان رائحة الورود والأشجار تفوح في الشارع ومنظر البحر جميل و جميع الأماكن هناك نظيفة ومرتبه لوجود عقوبات وغرامات لمن يخالف ذلك فبعدما أخذت كفايتي من الجلوس قررت العودة للفندق وعند عودتي رأيت امرأة في الأربعين من العمر جالسة أمام عربه وعليها أنواع الورد الجميل بألوان مختلفة وراحة جميلة حيث كانت تبيع باقات الورود ،ثم رأيت شابان في الجهة المقابلة يجريان حيث يتريضان في الهواء الطلق ويستمتعان بأشعة شمس الصباح الجميلة، وبعد قليل رأيت رجلاً في الخمسين يعمل في حديقة منزله الصغيرة حيث يوجد بها زرع منزلي أخضر رائع يخطف الأنظار.
وعندما وصلت للفندق قررت ان أتناول طعام الإفطار في اللوبي وكان عبارة عن بوفيه جميل من أنواع المأكولات الشهية الجميلة والمعجنات حيث تخدم نفسك بوضع ماتريد في الطبق وأن تضع لك شاي أو قهوة أو حليب فنظرت من حولي فوجدت من حولي من جميع جنسيات العالم وأخذت أتفرج على التلفزيون ونظرت لواجهة الزجاج الي كان مفتوحا ًعلى مناظر خلابة ثم بعدها بفترة مررت بالأستقبال وأخذت الكرت ودخلت جناحي وأنا أفكر فوجدت نفسي مستمتعاً في هذه المُدينة وهذا مخالفا لما أعتدته لأني بطبعي أحب مناظر الطبيعة في القرى والبرية وأميل لحياة الريف لأن المدن كانت بالنسبة لي خانقة بالتلوث والإزعاج وعدم وجود الهواء النقي ولكثرة المباني الأسمنتيه  التي تحجب الرؤية ولقلة وجود المسطحات الخضراء الكبيرة، لذلك دائماً ما كانت خانقة بالنسبةِ لي، حيث تبدو كلها حواجز خرسانيه ضخمه تمنعني من الإنطلاق،ولكني في هذه المدينة شعرت بأنني أُحلق كطير حُرّ على إرتفاع عالي لاحدود له.
وعندما جاء الليل شددت الستائر الشفافة لتمنحني بعض الخصوصية وأخذت أُفكر الان بأن لاأحكم على الشيء بدون تجربة وأن هناك أشياء بسيطة لو لاحظتها سأدخل على نفسي السعادة فمثلا في الطبيعة جمال، ولكن لم أتأمله وأكتشفه بعد، فكذلك الكون فيه أشياء كثيرة نجهلها في غاية الروعة، لذلك فنحن من الداخل نختار أن نرى هذا الجمال، ونحن من نختار أن نُخرِج هذا الجمال من داخِلنا،فكنت أفكر في ذلك وكان في يدي كوباً من القهوة التركية وأحظى بإطلالة جميلة من خلال نافِذة واسعة وإجازة جميلة، كانت كفيلة بزرع حدائق من الزهور الجميلة في روحي لكي تشعرني بالسعادة والإنتعاش والراحة مما أنعكس على قلبي وعقلي بسبب هذا التأمل جعلتني أتظر نظرة تفاؤل لهذه الحياة  في هذه الرحلة التي لم تكن على البال ولا على الخاطر.
سلمان محمد البحيري

عن سلمان البحيري

كاتب أومن بالإختلاف و حرية التعبير من غير أن تمس الثوابت الدينية والوطنية وحقوق الآخرين .

شاهد أيضاً

حكاية باب‬⁩!

لا أذكر الماضي بشكل جيّد، وليس لي «شجرة عائلة» تحدد نسبي! ‏لا أعرف ـ بالضبط ـ من أي شجرة أتيت.. ‏وبالكاد أتذكر رائحة أصابع النجار وهو يعمل بمهارة  لتحديد ملامحي النهائية. ‏كنت أظنني كرسيّاً.. دولاباً.. طاولة… شباكاً.. ‏لم يخطر ببالي أنني سأكون «باباً»! ‏  ‏حظي الرائع هو الذي أوصلني لكي أكون «الباب الرئيسي» لهذا المنزل الريفي الصغير في البداية كنت أنظر لسكانه بريبة وكانت خطوات الصغيرة «سارة» تـُشعرني بالرعب لأنني أعلم أنها ستنزع مقبضي بعنف – عند فتحي – وستجعل أطرافي ترتعد عند إغلاقي..وحدها«سيدة» المنزل ستعاتب «سارة» لتصرفها غير  المهذب معي فيما يكتفي«السيّد» بالضحكات العالية لشغب طفلتهما المدللة. …

بدايات الشغف

اقتربت أمي مني وهي تضع يدها على كتفي وتقول لي ،  أنصتي إلي نحن في …