جدتي نوره رحمها الله

قد كانت جدتي نوره إبراهيم سليمان الحمودي رحمها الله رمزاً للإنسانية و الحب والعطاء والتواضع والتسامح والحنان والشموخ في أي مكان وأي وقت تكون فيه لأنها كانت محبة للناس وإجتماعية وتحب الضحك وكانت متذوقة الشعر وتحب القفشات والدعابات،وكانت تتحلى بالحكمة حيث كان لها خبرة في الحياة بحكم التجارب الكثيرة،فمنذ عهدتها في طفولتي وهي كانت محبة لجميعنا كأطفال من أبناء بناتها وأولادها ولاتفرق فيما بيننا،وكان الكل منا يعتقد بأنه هو الذي يستأثر بقدر كبير من محبتهاوإهتمامها ومهما تحدثت عنها فلن أستطيع بأن أوفيها حقها،فحتى الناس من الغرباء والجيران من النساء كانوا يحبونها من سمعتها الطيبة حيث كانوا يرون فيها بأنها كريمة ومحبة للخير ويجدون عندها غالباً الحلول لهم ، حيث كانت تعالج بالطب الشعبي بماتعرفه عن بعض أمراض النساء والأطفال من أمراض ذلك العصر مثل الإسقاط ” أبو عظيم ” ومرض البطن وهو مايسمى “الزاوي ” ومرض حبوب البثرة وهو حبوب تظهر على الشفاه من داخل الفم حيث تعالجه جدتي بالقريمزان وهو دهان يعالج الدمامل ولونه بني كما أنه يعالج الجروج وكان من ضمن علاجها للجروح الماء بالملح لكي يداوي الجرح ويعقمه وأما الطفل الذي كان يعاني من اللوز كانت ترفعها بحصوتين صغار وتضع تحت مكان كل لوزه حصوة وتربطها بشيله أو غتره ليتم شدها قليلا من تحت الحلق  من خلال ربط العقده على الرأس لفترة معينة،لكي ترفع اللوزتين وكما كانت تستخدم كريم الشعر مع الزيت في المرخ والمصوع وأما أبو فاس والفقس فقد كان تستخدمه للزكام ووجع الحلق والدهان بعض الأحيان ، وأما اللبان المر فقد كانت تنصح بإستخدامه لمن كان عنده غثيان أو تعب في الباطنيه حيث كان يخمر في الليل ” ينقع ” ويشرب في الصباح ثم يعاد وضع الماء عليه مرة أخرى لأجل أن يشرب منقوعه حتى يذهب الغثيان وأما الشبه فقد كانت تستخدمها كمطهر للجروح ، كما كانت تصف للمرضعة إذا عجزت عن فطام طفلها بأن تضع من منقوع الصبر على حلمة نهدها لكي يساعدها على أن يرفض الطفل الرضاعة من صدر أمه ، وأما الكمون فقد كانت تصفه كلهام وهو مفيد للنفساء وهو طارد للغازات ومفيد في حالة المغص وأما موية غريب فهي تنصح به إذا جاء الطفل إنتفاح في البطن أو إذا لم يعد يتقبل الزاد وهي مفيدة أثناء فترة الأربعين ” النفاس ” وأما الحلتيته والمره فهما مفيدتان للألام البطن والمغص وإلتهاب الأسنان الذي كان يسمى ” لجج”، لذلك كانت جدتي رحمها الله معروفة عند الآخريات “بحموده ” المعالجة أيضا بالكي وكانت لا تأخذ ثمناً على ذلك ولكن كل الذي تريده من الناس هو الدعاء لها لأنها تحب فعل الخير وبأن تعطي وتفرح بمساعدة الآخرين، وكان لسانها دائماً رطب بذكر الله وحسن الدعاء والكلام الجميل للجميع ، وأما من هواياتها المفضلة فهي حب تربية الماعز والدجاج البلدي حيث كان جدي عبدالعزيز رحمه الله ملبياً لها جميع ماتحبه في هذا الشأن، وكانت تعطي من إنتاج الماعز والدجاج البلدي لبعض الأقرباء والجيران من اللبن والبيض البلدي،ولقد كانت تذهب وتختار بنفسها البيض البلدي بعناية من بعض صديقاتها اللاتي لديهن دجاج بلدي جميل وأصيل لأجل أن ترجن لديها دجاجة أو دجاجتينن،

ولقد كانت تحرص على إعطاء الدجاج الأكل المناسب ومعالجة المريضة من الدجاجات وكل ذلك لأجل الحصول على إنتاج رائع عندها،كما كانت رحمها الله طباخة من الطراز الأول ولها نفس حلو،فلقد تعلموا منها الطبخ والدتي الله يقومها بالعافية وبناتها اللاتي هن عماتي وزوجة عمي إبراهيم الله يرحمه ولقد كانت بارعة في الأكلات الشعبية مثل القرصان والمرقوق والجريش والهريس والسليق والثريد والرغيده والقرصان والحنيني والمحلى والمراصيع وكانت تطبخ الذبايح و تضبط الحميم والحميس “المقلقل ” والكبده والمكرونه ولازال هناك من بناتها وأحفادها يسمون هذه المكرونه الي تعملها بطريقتها الخاصة والنكهة المميزة لازالت تسمى ب” مكرونة الجده ” فقد كانت ملهمة في حياتها لنا وأحفادها ومن حولها والناس و برغم أنه في آخر حياتها كانت صحتها جيدة لأنها كانت تعتني بنفسها، إلا أن مرض الزهايمر قد نال منها وأصبحت ضعيفة لاحول لها ولاقوة بعدما كانت إذا تواجدت في أي مكان تذهب فيه يكون لها هيبة في كلامها وأفعالها لأن لها شخصية ساحرة ،ولكننا إستطعنا كأولاد لها وأحفاد لولدها محمد بإحتوائها ومحاولة التخفيف عنها ومراجعة المستشفيات بها وأن نتكلم معها ونضحك معها وتذكيرها بأشياء جميلة ونذهب بها لأماكن كانت فيها ولا نحاول أن نشعرها بضعفها أو أنها قد أصبحت عبئاً ثقيلاً علينا حتى وافتها المنية قبل جدي عبدالعزيز رحمهما الله جميعا وجمعنا بهما في جنات النعيم فرحم الله جدتي نوره رحمة واسعة وجزاها الله عني وعن أولادها وبناتها وأحفادها بخير الجزاء.
سلمان محمد البحيري

عن سلمان البحيري

كاتب أومن بالإختلاف و حرية التعبير من غير أن تمس الثوابت الدينية والوطنية وحقوق الآخرين .

شاهد أيضاً

حكاية باب‬⁩!

لا أذكر الماضي بشكل جيّد، وليس لي «شجرة عائلة» تحدد نسبي! ‏لا أعرف ـ بالضبط ـ من أي شجرة أتيت.. ‏وبالكاد أتذكر رائحة أصابع النجار وهو يعمل بمهارة  لتحديد ملامحي النهائية. ‏كنت أظنني كرسيّاً.. دولاباً.. طاولة… شباكاً.. ‏لم يخطر ببالي أنني سأكون «باباً»! ‏  ‏حظي الرائع هو الذي أوصلني لكي أكون «الباب الرئيسي» لهذا المنزل الريفي الصغير في البداية كنت أنظر لسكانه بريبة وكانت خطوات الصغيرة «سارة» تـُشعرني بالرعب لأنني أعلم أنها ستنزع مقبضي بعنف – عند فتحي – وستجعل أطرافي ترتعد عند إغلاقي..وحدها«سيدة» المنزل ستعاتب «سارة» لتصرفها غير  المهذب معي فيما يكتفي«السيّد» بالضحكات العالية لشغب طفلتهما المدللة. …

بدايات الشغف

اقتربت أمي مني وهي تضع يدها على كتفي وتقول لي ،  أنصتي إلي نحن في …