ذات ليلة باردة كنت في مكتبي المنزلي وحيداً وكانت الإنارة خافتةٍ على شموع الفواحات، وقد كنت مرهقاً جداً بعد عناء يوم حافل،وكان النوم مجافيني لأنني كنت قلقاً برغم أنني قد أخذت دشاً دافئاً فقلت لعلي بعد هذا الدش أن أنام،ولكن فكري كان يرصد حيرتي بقناعاتي وأحلامي ، وكنت أتسائل مع نفسي هل معاناتي هي السبب بأنني أصل إلى مرحلة الألم أم أن أننا لن نتعلم حتى نتألم،أم أنني أخدر نفسي بالوهم والترهات أم أن عالم اليوم قد خدعني بزخارفه، كنت حينها أريد دليلاً مادياً أكثر من أنه حسي، وبأن المس بأصابعي نبض أهدافي وبينما لازلت في الحيرة ومستمراً في العتمة ونظراتي ساهمة بعمق في الزاوية العليا من الجهة اليمين ثم بعدها بفترة أنظر من الزاوية العليا من اليسار وكأنني أبحث عن حلول من اليمين ومن اليسار وكانت حلولاً متطرفة لأن اليأس يأتيني ويقول لي سوف تفشل و ماأنت إلا سوى قشة من الليف سرعان ماتشتعل وتنطفئ ولايعدو لك أثر، وأما الحل الآخر المتطرف فكان يقول لي أنت لا تستحق النجاح في ماتسعى إليه لأنك ملول وتريد النتائج سريعة وليس عندك صبر بينما أنت ماتسعى إليه لن تقطفه إلا بعد خطة طويلة الأجل ، وهذه الخطة لاتنفع لك فأنت تنجح دوماً في الخطة القصيرة الأجل حتى متوسطة الأجل لاتنجح فيها لذلك أرح نفسك من العناء،ثم نظرت في الجهة الوسطى وفكرت فأقبل علي أصدقائي في الحياة الإيمان والأمل والتفاؤل والتأمل وقالوا لي لاتهدر وقتك مع أقصى اليمين وأقصى اليسار فهولاء لايقدمان حلولا علمية ولا عملية ولكن كن واثقاُ في قناعاتك ودافع عنها وحتى لو أنها ستأخذ منك وقت طويل لكي تتحق رؤيتك،فلو فشلت فهذا شيء طبيعي لأن الفشل يفيدك لكي تتعلم منه وهو يجعلك تعيد تقييم تجربتك وتصحح الأخطاء حتى توفق وتنجح ولكن في حالة الإخفاق إياك أن تفقد الثقة في نفسك وتبرر للشامتين ، لأن لك حرية ماتفكر به وماتؤمن به كما لا تأبه لشكوك الدهماء أو حقد بعض المنافسين أو بعض الأقارب،فأنت ستصل مهما وضعوا في طريقك من حفر الحسد ومطبات الشكوك ومهما وضعوا في طريقك من أسلاك الكراهية الشائكة، ومهما حاولوا التقليل من شأنك فلا تستسلم ، وستكتشف بأن من يأخذ بيدك ويشجعك هو الغريب والقلة القليلة جداً من الأقارب والأصدقاء، وأما الغالبية فهم يضحكون في وجهك ومن خلفك يستهزؤن بك،فلا تأبه لهؤلاء مهما كانت صلتهم بك ولو لديهم الشجاعة الكافية لواجهوك بكلامهم ولكنهم منافقين و جبناء، فأنت ستصل طالما أنك تعمل وتجتهد وتطور نفسك وتقدم عمل مميز وعملك هو الذي سيقدمك للآخرين بدون محسوبيات أو شللية، فأنت ستتقدم بعلمك وعملك ونزاهتك الفكرية ثم قال لي الإيمان لقد سخرني الله إليك لكي أجلي عنك لحظات كدرك فألجئ إلى الله في جميع نوائبك فمع الله لن تشعر بالحيرة ولا العجز، فعندما تكون سمائك ملبدة بالغيوم أدعو الله لكي تنجلي هذه الغيوم عنك وأرضى بقضاء الله وقدره وأحسن الظن فيه وستجد بأنه رزقك على صبرك وحسن إتكالك عليه ووفقك وييسر لك أمور لم تخطر على بالك وكنت أتأمل وأقول أنا هذا العام أفضل من العام الماضي والعام الماضي كان أفضل من العام الذي قبله وهكذا دواليك فلو نظرت للسنوات الثلاث الماضية ستجد نفسك بأنك قد أصبحت أفضل من ذي قبل بخطوات كبيرة، فكن ممتناً وقل الحمد لله رب العالمين وثق بأنه مهما مر بك من عتمة فهي ستزول قريباً وسترى في أخر النفق الضوء ولكنك قبل أن تصل للضوء ففي هذه الظلمة ستعرف نفسك أكثر وستدرك نعم الله عليك وحينما تغوص في أعماقك ستجد نوراً من الله بداخلك إذا لجأت إليه ويصبح لديك بصيرة، لترى برغم أنك في ظلام دامس وهذه البصيرة هي التي ستقودك إلى بر الأمان ،إلى الضوء في آخر النفق.
سلمان محمد البحيري
شاهد أيضاً
حكاية باب!
لا أذكر الماضي بشكل جيّد، وليس لي «شجرة عائلة» تحدد نسبي! لا أعرف ـ بالضبط ـ من أي شجرة أتيت.. وبالكاد أتذكر رائحة أصابع النجار وهو يعمل بمهارة لتحديد ملامحي النهائية. كنت أظنني كرسيّاً.. دولاباً.. طاولة… شباكاً.. لم يخطر ببالي أنني سأكون «باباً»! حظي الرائع هو الذي أوصلني لكي أكون «الباب الرئيسي» لهذا المنزل الريفي الصغير في البداية كنت أنظر لسكانه بريبة وكانت خطوات الصغيرة «سارة» تـُشعرني بالرعب لأنني أعلم أنها ستنزع مقبضي بعنف – عند فتحي – وستجعل أطرافي ترتعد عند إغلاقي..وحدها«سيدة» المنزل ستعاتب «سارة» لتصرفها غير المهذب معي فيما يكتفي«السيّد» بالضحكات العالية لشغب طفلتهما المدللة. …