أنواع الغربة

عندما اطلعت على قاموس اللغة وجدت بأن معنى الغربة هو اغتراب ووحدة وعزلة وكنت أعتقد بأن الغربة هي غربة الشخص عن أهله في خارج الوطن إما بسبب سياحة أو دراسة أو عمل أو حينما تكون هجرة دائمة أو طلب لجوء سياسي، ولكن الغربة أيضاً تكون في الوطن حينما يكون الشعب مضطهداً ومقموعاً من الحاكم بحيث الحكم يكون بالحديد والنار، ويعامل الشعب على أنهم بهائم أو كالعبيد وأنه ليس لهم الحق بأن يعيشوا حياة إنسانية كريمة، ونحن نشعر بالغربة مابين بعض أقاربنا الذين لا يحبوننا، كما نحبهم ولايتمنون لنا الخير برغم أننا نتمنى لهم الخير، ولايعرفون قيمتنا وبل يستكثرون الخير والفرحة الصغيرة علينا برغم أننا ندعوهم ليشاركوننا في سعادتنا،وكذلك الغربة أيضاً مع بعض الأشخاص الذين أحببناهم من قلوبنا وفضلناهم على غيرهم، فبداية غربة الحب تأتي بأن بعض الأشخاص يحاولون أن يصلوا لنا ويدخلوا حياتنا في البداية لكي يقنعونا بأنهم الأجمل لكي يبهرونا ونتقبلهم ونفتح لهم قلوبنا وبعدما يتأكدون بأنهم قد تمكنوا من قلوبنا ودخلوا حياتنا ونكشف لهم عن حبنا وأسرارنا ونأمن لهم ونثق فيهم ،ونرفع سقف توقعاتنا فيهم ويعرفوا نقطة ضعفنا وهي أننا نحبهم ، ونبني أحلامنا وسعادتنا عليهم ونقدم تضحيات لهم لكي يكونوا كل شيء في حياتنا، بعد ذلك يبدأ العد التنازلي ويتغيرون علينا بدون سبب أو ذنب أو تقصير منا، حيث يبدأون بعد فترة التعامل معنا، بعدم المبالاة ثم التجاهل ويبدأون يسلبون راحتنا وطاقتنا ويضغطوا على أعصابنا ويؤلموننا لدرجة الوجع بإحساس بارد، كأنهم لم يعرفونا من قبل ثم تصل المسألة إلى درجة الاستفزاز وقطع العلاقة معنا لأتفه سبب وينقطع التواصل معنا، ثم نكتشف بعد ذلك بأنهم يمارسون نفس اللعبة مع بديل آخر عنا،ثم يراقبوننا من بعيد ونحن تتألم ونداوي جراحنا ، ثم إذا بدأنا في التعافي ونهضنا وتقبلنا الوضع عادوا إلينا ولكن بحجج واهية منها بحكم الإنشغال وأنهم لازالوا يحبوننا، ثم نصدق أعذارهم لأننا نحبهم ونسمح لهم بفتح صفحة جديدة ملتمسين لهم الأعذار ثم نلوم أنفسنا بأننا تسرعنا بالظن وإصدار الأحكام عليهم، ثم نبدأ نعطيهم حباً أكثر لأنهم عادوا إلينا ونعطيهم من طاقتنا الإيجابية، بعدها نتفاجأ بأنهم قلبوا لنا ظهر المجن مرة ثانية وتركونا معلقين ليبدأوا حياتهم مع آخرين،ثم من هول الموقف نشعر بصدمة وذهول ونقول معقول كل هذه السنين وكل هذه المشاعر النبيلة التي من طرفنا كانت لاتعني لهم شيئاً؟!، وبرغم أننا كنا راقين معهم ولكن مع الأسف كان يتعاملون معنا بالكذب والتسلية ونكتشف بأننا كنا تتعامل مع مرضى نفسيين أو ذئاب لأننا اكتشفنا بأننا نعيش في وهم، ولذلك أصبحنا نخاف بأن نفتح قلوبنا لآخرين خشية بأن يطعنوا قلوبنا و لهذا السبب نشعر بالغربة، لذلك فعلينا التمهل و الأختيار الدقيق للأشخاص في حياتنا والذين تمحصهم أوقات الشدة التي تمر بنا ،وأما الغربة الحقيقية فهي البعد عن الله فيشعر الشخص بأنه قد ضاقت عليه نفسه والدنيا ولذلك يشعر بالتعاسة ويكون دوماً كئيباً ومعرضاً للأمراض النفسية وإدمان المخدرات والبحث عن الشهوات المحرمة لكي يشعر بالراحة النفسية، ولكن ذلك يجعل الأمور تتفاقم أكثر ويدخل في تعاسة أكثر ويدخل في دوامة الضياع ويشعر بالغربة، لذلك تكون السعادة بالقرب من الله من خلال عبادته والتوكل عليه واللجوء والدعاء له والاستعداد لمرحلة الغربة في حياة البرزخ والتي من أول منازلها القبر من خلال العمل الصالح.

سلمان محمد البحيري

ومضة

ليس الغريب غريب الشام واليمن
إن الغريب غريب اللحد والكفن
إن الغريب له حق لغربته
على المقيمين في الأوطان والسكن
لا تنهرنَّ غريبا حال غربته
الدهر ينهره بالذل والمحن
سفري بعيد وزادي لن يبلغني
وقوتي ضعفت والموت يطلبني

 

عن سلمان البحيري

كاتب أومن بالإختلاف و حرية التعبير من غير أن تمس الثوابت الدينية والوطنية وحقوق الآخرين .

شاهد أيضاً

حكاية باب‬⁩!

لا أذكر الماضي بشكل جيّد، وليس لي «شجرة عائلة» تحدد نسبي! ‏لا أعرف ـ بالضبط ـ من أي شجرة أتيت.. ‏وبالكاد أتذكر رائحة أصابع النجار وهو يعمل بمهارة  لتحديد ملامحي النهائية. ‏كنت أظنني كرسيّاً.. دولاباً.. طاولة… شباكاً.. ‏لم يخطر ببالي أنني سأكون «باباً»! ‏  ‏حظي الرائع هو الذي أوصلني لكي أكون «الباب الرئيسي» لهذا المنزل الريفي الصغير في البداية كنت أنظر لسكانه بريبة وكانت خطوات الصغيرة «سارة» تـُشعرني بالرعب لأنني أعلم أنها ستنزع مقبضي بعنف – عند فتحي – وستجعل أطرافي ترتعد عند إغلاقي..وحدها«سيدة» المنزل ستعاتب «سارة» لتصرفها غير  المهذب معي فيما يكتفي«السيّد» بالضحكات العالية لشغب طفلتهما المدللة. …

بدايات الشغف

اقتربت أمي مني وهي تضع يدها على كتفي وتقول لي ،  أنصتي إلي نحن في …