هزني عبق المكان وذكراه

إكتشفت من خلال الكتابة بأني أعالج جروحي أو جراح الآخرين أو أعيد اكتشاف ذاتي من خلال ذكريات قديمة سواء كانت جميله أو مؤلمة وكلها تكون حزينة، كما اكتشفت بأنني أكتب للمتعة، لأني آقوم برحلة بالغوص في الأعماق لإكتشاف عالمي الذي أحبه، ربما البعض يقول كيف لا تمل من كتابة خواطرك،ولكني أقول لهؤلاء الأمر بسيط إنني أكتبها من منظار له فتحتين، فواحدة تنظر به على الأمل والأخرى على التفاؤل، فلذلك لن يكون روتيني ممل ، دام أن الله قد اذن لي بحياة يوم جديد فهناك مشاعر جديدة ومستقبل جديد، ولقد كنت منذ فترة في سوق الزل في الديرة بمدينة الرياض وقد إحترت هل أكتب عن تاريخ المكان أم بعبقه الساحر أم عن شغفي بالروائح ام بجميعهم معاً، ولقد دمعت عيني، حيث رائحة العود ودهن العود والبخور ورائحة الزل ورائحة الجلود مثل النعال الزبيريه وغيرها من المتتجات الجلدية والتراثية إنها رائحة خاصة تنفذ إلى روحي مباشرة، رائحة قد أنعشت ذاكرتي وأعادتني  إلى الوراء بعيداً حيث عقود من الزمن قد مضت كنت حينها في مرحلة الطفولة أذكرها كحلم، فشعرت بالسكينة.

لان من يتجول في سوق الزل بالديرة يشعر بأنه يعيش في الماضي وهو من الأسواق التراثية القديمة التي تقع في قلب العاصمة الرياض ، ويستقطب هذا السوق الكثير من المواطنين والمقيمين حتى من الأجانب حيث يجد الزائر جميع ما يحتاج إليه من سلع تراثية وهدايا وتحف ومجوهرات وملابس شعبية وخزفيات ومشغولات يدوية بجانب البخور والعطور وخاصة خلال شهر رمضان المبارك والاعياد و يكون الإقبال على السوق شيء غير عادي، كما يعتبر سوق الزل السعودي في منطقة الديرة من أهم و أفضل الأسواق ليس في الرياض فقط ولكن على مستوى الجزيرة العربية،و ذلك لأن له إرث تاريخي قديم حيث تشعر وأنت تدخله كأنك تقوم بإستحضار ماضي المدينة العتيق لأنه سوق مستوحى من طراز الأسواق القديمة والتي كانت تقام قديما على أرض شبه الجزيرة العربية وتاريخ هذا السوق قديم جداً في مدينة الرياض و التي تعرف بأنها العاصمة الرسمية للدولة حيث أنها كانت تسمى مدينة حجر بفتح الحاء وتسكين الجيم، ويقال سبب تسميتها نسبة إلى خضوعها إلى مملكة كندة الحارث بن عمرو الكندي حفيد الزعيم الكندي حجر، ويرجع تاريخها إلى 715 قبل ميلاد المسيح عليه السلام، واستوطنها في ذلك التاريخ قبيلة طسم وجديس وهما من قبائل العرب القديمة حيث ترجع طسم إلى قبيلة ثمود إلى جد واحد وهو سام بن نوح، ولقد وصفها الرحالون قديما بأنها مدينة واسعة الأرجاء، وكبيره تحيط بها المزارع والعيون والحدائق من كل جانب، وكانت مركزاً تجارياً في وسط جزيرة العرب، وملتقى للقوافل التجارية، حيث كان بها سوق كبير ولقد ذكر الأصفهاني عن السوق بأنه كان يبعد عن منفوحة ميلين، ما يعني أنه يقع في المناطق المحيطة بالجامع الكبير من الناحية الشمالية الغربية، وتعد طسم وجديس من القبائل البائدة حيث تركت هاتان القبيلتان آثاراً من الحصون التي شيدت في أقليم اليمامة، ثم جاءت بعدهم الدولة الكندية ثم غادروها بعد فترة بسبب الحروب وتمزق اتحادها، ثم جاء بنو حنيفة بعدهم واستقروا وسمي بعد ذلك واديها الشهير وادي العرض بوادي حنيفة، بعد أن حل بنو حنيفة في هذا المكان، ولقد ازدهرت حجر التي تقع بين وادي الوتر (البطحاء) ووادي العرض (حنيفة) في عصر بني حنيفة، وظلت على هذه الأهمية حتى في العصر الإسلامي، ولقد اشتهرت اليمامة في عهد بني حنيفة بالزراعة، وخصوصاً زراعة القمح والنخيل، ولا ننسى موقف الصحابي ثمامة بن أثال عندما أسلم وهو سيد من سادات بني حنيفة، حيث أراد استخدام سلاح المقاطعة الاقتصادية، ومنع القمح عن قريش، ولكن الرسول صلى الله عليه وسلم رفض ذلك، أما في العصر العباسي فلقد كانت تعد حجر في العصر الإسلامي عاصمة لإقليم اليمامة حتى فقدت قيمتها بعد ذلك في القرن الثامن عشر وتحولت إلى قرى صغيرة من أشهرها: مقرن، ومعكال، والعود، وجبرة، والصليعاء، والخراب، ثم سميت بعد ذلك بالرياض ولم يبق من حجر سوى قصر في نخل على وادي البطحاء لينحصر الاسم بعد ذلك في بئر ذلك النخل، وكانت تعرف بوقت قريب ببئر حجر، حيث تم ردمها ويمر بها حاليا شارع الملك فيصل (الوزير) كما ذكر الشيخ حمد الجاسر في كتابه مدينة الرياض عبر أطوار التاريخ، وأما عن تحصيناتها بالأسوار عبر التاريخ فلقد سورت قبل الجاهلية عندما كانت تسمى حجر، وكما سورت في العصر الأموي ثم سورت في عهد دهام بن دواس وأخيرا سورت في عهد الملك عبدالعزيز رحمة الله عليه بعد دخوله الرياض عام 1319ه لتستقر الرياض بعد ذلك بعد طول صراع وحروب. فمدينة الرياض لها تاريخ عريق وليس وليدة الحاضر او الدولة السعودية الأولى والثانية والثالثة ،إذاً كانت هذه المدينة تاريخية و شهيرة ومميزة حيث أنه كان يوجد بها العديد من الأسواق وكانت ممر للقوافل التجارية لذلك أصبحت هذه المدينة في العصر الحديث لها شهرة جمة حيث موقعها الجغرافي الاستراتيجي والذي ساعد بشكل كبير في تطوير أهميتها الاقتصادية السياحية و العمرانية ويعتبر سوق الزل من الأسواق التراثية القديمة و التي توجد في وسط مدينة الرياض، وهي مقصد للزائرين من المواطنين والمقيمين بشكل ملفت و خاصة على متاجر بيع الشمغ والغتر وملابس ومتاجر العود متاجر بيع البشوت كما يوجد في محلات العود مختلف أنواع العطور،كما الملاحظ لازالت بوابتي سوق الثميري قائمة في هذا المكان فكانك اذا دخلت من خلالها او دخلت سوق الزل فقد دخلت الى زمن اخر، وقد تربى أجيال في مدينة الرياض على أن يقوموا بشراء أهم مستلزماتهم من هذا المكان حيث أنهم يعرفونه ويعرفون أهم المتاجر التي تبيع مستلزماتهم الخاصة ولا يتوجهون إلى المتاجر ذات الماركات العالمية في اسواق اخرى، حيث اذكر جدي عبدالعزيز ووالدي رحمها الله لا يشترون الزوالي و الدلال والأباريق والفناجيل و القهوة والهيل والعود والطيب والأرزاق والبشوت والملابس وغيرها من الاغراض إلا من الديره وسوق الزل،وحينما مررت بحي الدحو وهو شرق سوق الزل وهذا من أحياء الرياض القديمة، دمعت عيناي وأنا أتذكر بأننا قد سكنا فيه لفترة حيث كان البيت سبالة لجدي إبراهيم البحيري رحمه الله،ولكن سآني منظر هذا الحي حيث يستحق بأن يبقى معلم سياحي تراثي وخاصة بقربه من قصر الحكم وسوق الزل ووجوده بسوق الديرة عموماً، وبعدما إشتريت غتر شماغ ونعال زبيريه وبخور ودهن العود وسبحه وخاتم فضه، وانا عائد في السيارة كان شريط الذكرى يدور في ذهني كيف كان الناس وكيف صاروا وكيف تغيرت الامور وتطورت الرياض التي كانت مدينة صغيرة ذات دروازات وكانت تقفل ابوابها من بعد المغرب وتفتح في الصباح الباكر وكيف أصبحت الان الرياض التي صارت مساحتها تعادل مساحة بعض الدول او اكبر منها.
سلمان محمد البحيري

عن سلمان البحيري

كاتب أومن بالإختلاف و حرية التعبير من غير أن تمس الثوابت الدينية والوطنية وحقوق الآخرين .

شاهد أيضاً

حكاية باب‬⁩!

لا أذكر الماضي بشكل جيّد، وليس لي «شجرة عائلة» تحدد نسبي! ‏لا أعرف ـ بالضبط ـ من أي شجرة أتيت.. ‏وبالكاد أتذكر رائحة أصابع النجار وهو يعمل بمهارة  لتحديد ملامحي النهائية. ‏كنت أظنني كرسيّاً.. دولاباً.. طاولة… شباكاً.. ‏لم يخطر ببالي أنني سأكون «باباً»! ‏  ‏حظي الرائع هو الذي أوصلني لكي أكون «الباب الرئيسي» لهذا المنزل الريفي الصغير في البداية كنت أنظر لسكانه بريبة وكانت خطوات الصغيرة «سارة» تـُشعرني بالرعب لأنني أعلم أنها ستنزع مقبضي بعنف – عند فتحي – وستجعل أطرافي ترتعد عند إغلاقي..وحدها«سيدة» المنزل ستعاتب «سارة» لتصرفها غير  المهذب معي فيما يكتفي«السيّد» بالضحكات العالية لشغب طفلتهما المدللة. …

بدايات الشغف

اقتربت أمي مني وهي تضع يدها على كتفي وتقول لي ،  أنصتي إلي نحن في …