لابد من روح تحبنا و تساندنا

كنت أتسائل أحياناً ، لِمَا نشعر بالحنين إلى مرحلة الطفولة كلما تعرضنا لكل تجربةٍ قاسية أو مؤلمة.؟!

فأتذكر حينما كنت في فترة الطفولة عندما أتعرض لبعض تجارب القسوة والألم ،فكان مايخطر على بالي هو البكاء والركض نحو أحضان أمي أو أبي والشكوى لهما ، وبعدها تهدأ نفسي ويطمئن قلبي وأشعر بالأمان حينما يطبطبا علي ويحلا مشاكلي الصغيرة، التي كنت أعتقد في حينها بأنها مشاكل كبيرة.

وحينما كبرت وأعتقدت بأنني قد أصبحت أكثر قوة وإستقلالية و ظننت بأنني لن أحتاج بعد ذلك لهما ولا لغيرهما، وأنني سأتغلب على كل مشاكل القسوة والألم ولحظات الضعف وأتجاوزها بسهولة، ولكني أكتشفت بأنه حينما تعتريني تلك اللحظات، فإني أكتشف حقيقة ضعفي وحاجتي الملحة لله ثم لبعض الأرواحٍ الجميلة من حولي تحتويني ولكي أشعر معهم بالأمان.

فالأب والأم هما من نلقى بقربهما الأمان والإطمئنان ، ولكننا حين نكبر وهم قد كبرا في السن وأصبحا في حالة ضعف، نشعر بأننا لانريد أن نحزنهما ونمرضهما بما نمر به من الآلام ومحن ، فنفضل بأن لانخبرهما بما نعانيه لكي نراعيهما ونتجنّب أذيّة مشاعرهما ، فنكتم آلامنا عنهما ونخفي كل ما قد يؤذي قلوبهما، ليس لأننا قد كبرنا عليهما ولكن لأن ذلك من البِرًّ بهما.

لذلك نحتاج إلى أرواحٍ أخرى تحبنا نتشارك معها على الحلوة والمره و كَبَدَ العيشِ وَهَنَاءَه دون حرج ، وهذا أجده في قوله تعالى : {وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُم مِنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِّتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُم مَّوَدَّةً وَرَحْمَةً } ،فشريك الحياة تسكن الروح به بعد الله ويطمئن القلب معه.

وقد تذكرت الرسول صلى الله عليه وسلم  حين أتاه جبريل عليه السلام في الغار منذرًا إياه ببدء الوحي ، فشعر بالخوف ولم يجد ما يهدئ روعه سِوى َزوجته خديجة رضي الله عنها ، وحين وصل إليها ارتمى بين أحضانها ونادى بأن “زملوني زملوني دثروني دثروني” و لَمْ يذهب في حينها إلى أعمامه صناديد قريش كأبو طالب وحمزة إبن عبد المطلب ! وعن عائشة رضي الله عنها قالت: ((كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا ذكر خديجة أثنى عليها فأحسن الثناء قالت: فغرت يوماً فقلت ما أكثر ما تذكرها حمراء الشدق قد أبدلك الله عز وجل بها خيراً منها قال: ما أبدلني الله عز وجل خيراً منها قد آمنت بي إذ كفر بي الناس وصدقتني إذ كذبني الناس وواستني بمالها إذ حرمني الناس ورزقني الله عز وجل ولدها إذ حرمني أولاد النساء)) وفي حديث آخر عن أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها قالت: ((ما غرت على نساء النبي صلى الله عليه وسلم إلا على خديجة وإني لم أدركها قالت: وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا ذبح الشاة فيقول: أرسلوا بها إلى أصدقاء خديجة قالت: فأغضبته يوماً فقلت: خديجة فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إني قد رزقت حبها))

فالمرأة لها دور كبير في حياة الرجل إذا كانت تتصف بالعقل والحكمة وكان همها حب شريك حياتها وتكون معه في الحزن والسعادة وعلى الحلوة والمرة والرخا والشدة ،ولا تتخلى عنه إذا واجه الرجل الكبد في حياته، بل تكون له السند الحقيقي إذا تخلى القريب والبعيد عن زوجها، وتكون معه في مرضه ولاتجحد خيره ولاتحقر ما يفعله لأجلها أو تستهين به، وأما زوجتي فكان لها دور كبير في بداية حياتي الزوجية ولم تتخلى عني في فقري، برغم أنني كنت أستطيع أن أحل مشاكلي المالية عن طريق جدي عبدالعزيز ووالدي محمد رحمهما الله ولكني أردت الإعتماد على الله ثم نفسي،وفي نفس الوقت كان إختباراً حقيقيا لزوجتي والتي لم تتخلى عني في مرضي بل ساندتني فكيف أتخلى عنها في مرضها بعدما أغنناي الله وبعدما أصبحت بصحة جيدة

لذلك حين تشعر بمعاناة وتمر عليك تجارب قاسية فإن وحشة الروح لا تنقشع إلا بالقرب من الله ثم بروح آخرى تحِبّها وهذا يغنيك عن الأرواح البشرية مجتمعة.

سلمان محمد البحيري

عن سلمان البحيري

كاتب أومن بالإختلاف و حرية التعبير من غير أن تمس الثوابت الدينية والوطنية وحقوق الآخرين .

شاهد أيضاً

حكاية باب‬⁩!

لا أذكر الماضي بشكل جيّد، وليس لي «شجرة عائلة» تحدد نسبي! ‏لا أعرف ـ بالضبط ـ من أي شجرة أتيت.. ‏وبالكاد أتذكر رائحة أصابع النجار وهو يعمل بمهارة  لتحديد ملامحي النهائية. ‏كنت أظنني كرسيّاً.. دولاباً.. طاولة… شباكاً.. ‏لم يخطر ببالي أنني سأكون «باباً»! ‏  ‏حظي الرائع هو الذي أوصلني لكي أكون «الباب الرئيسي» لهذا المنزل الريفي الصغير في البداية كنت أنظر لسكانه بريبة وكانت خطوات الصغيرة «سارة» تـُشعرني بالرعب لأنني أعلم أنها ستنزع مقبضي بعنف – عند فتحي – وستجعل أطرافي ترتعد عند إغلاقي..وحدها«سيدة» المنزل ستعاتب «سارة» لتصرفها غير  المهذب معي فيما يكتفي«السيّد» بالضحكات العالية لشغب طفلتهما المدللة. …

بدايات الشغف

اقتربت أمي مني وهي تضع يدها على كتفي وتقول لي ،  أنصتي إلي نحن في …