الخلوة تعني إنفراد الإنسان بنفسه ومعنى كلمة خبيئة هي جمع لكلمة خبايا وهي مؤنث لكلمة خبيء وتعني الشيء المستور أو المخفي وما أقصد بالخبيئة هنا هي الخبيئة من الأعمال الصالحة والتي لا يعلم عنها أحدُ سوى الله وعَنِ الزُّبَيْرِ بْنِ العَوَّامِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: “مَنِ اسْتَطَاعَ مِنْكُمْ أَنْ يَكُونَ لَهُ خَبِيءٌ مِنْ عَمَلٍ صَالِحٍ فَلْيَفْعَلْ”. لذلك كانت الخلوة راحة للمؤمن في دينه ودنياه وقال الشاعر:
خلوةُ الإنسان خيرُ
من جليس السوء عنده
وقال عمر بن الخطاب رضي الله عنه” خذوا بحظكم من العزلة” وقال “العزلة راحة من خلاط السوء” كما قال طاوس رحمه الله” نعم صومعة الرجل بيته، يكف فيها بصره ولسانه”
وقول ابن المسيب” العزلة عبادة وذكر” وقول مسروق “إن المرء لحقيق أن تكون له مجالس يخلو فيها، يذكر فيها ذنوبه فيستغفر منها”
وقال ابن تيمية “لابد للعبد من عزلةٍ لعبادته وذكره وتلاوته ومحاسبته لنفسه ودعائه واستغفاره، وبعده عن الشر ونحو ذلك” ولقد عقد ابن الجوزي ثلاثة فصول في كتابه صيد الخاطر ملخصها أنه قال” ما سمعت ولا رأيت كالعزلة راحة وعزاً وشرفاً وبعداً عن الحساد والثقلاء والشامتين وتفكرا في الآخرة واستعداداً للقاء الله عز وجل، واغتناماً في الطاعة وجولان الفكر فيما ينفع، وإخراج كنوز الحكم والاستنباط من النصوص”
فالخلوة المشروعة هي للتقرب من الله في السر والتأمل في ملكوته والتعلم وقراءة القرآن وقراءة الكتب في مختلف أنواع العلوم واعتزال الفتن والأمور المحرمة والاختلاء بالنفس للمحاسبة وليكون لك خبيئة من الأعمال الصالحة وهي الخلوة مع الله سبحانه والبكاء بين يديه قال تعالى “ويخرون للأذقان يبكون ويزيدهم خشوعاً” واللهج المستمر بذكره واستغفاره،وصلاة النافلة في الضحى وبجوف الليل ،وكف الأذى عن الناس بالقول والعمل، فضلاً عن صدقة السر، ونية الخير وحب الخير للآخرين كما تحبه لنفسك، والدعاء والاعتكاف ونحو ذلك قال الإمام أحمد بن حنبل “إنوِ الخير فإنك لاتزال بخير ما نويت الخير”
وأما الخلوة الغير جائزة هي حينما تكون في المعاصي أو تكون للإضرار بالنفس أو ببعض الناس، أو إضاعة الجُمع والجماعات وتضييع لحقوق الوالدين والزوج والزوجة والولد وترك كسب ما يحتاج إليه العبد من نفقة ،ونحو ذلك وقال أبو الدرداء رضي الله عنه” نعم صومعة الرجل بيته،يكف فيها بصره ولسانه، وإياكم والسوق فإنها تلهي وتلغي”
كانت زبيدة زوجة هارون الرشيد هي من أجرت عيناً للحجاج لسقياهم بسبب ما لمسته من معاناتهم في الحصول على الماء في المشاعر المقدسة ،وكانت زبيدة قد رؤيت في المنام فقيل لها مافعل الله بكِ،قالت :غفر لي فقيل لها: بالعين التي عملتيها فقالت: لا والله العين وما العين؟! وإنما بركعتين في جوف الليل أحافظ عليها ، كما أن أحد الدعاة المعروفين قد رؤي في المنام فقيل له: ما فعل الله بك فضحك وقال : فوق فوق هناك فقيل: بدعوتك قال : دعوتي، لا وإنما بريالات تصدقت بها “لذلك تعد الخلوة بالله واعتزال الناس،والكف عن أذاهم من عبادات السر العظيمة وتلك هي الكنوز والتي قد غفل عنها الكثير من الناس،فمن الحكمة أن تحاسب نفسك وتنشغل بها وتلزمها بفعل الخير في السر ولا يطلع عليك إلا الله،لذلك كانت هذه الأعمال أعظم أجراً،برغم أنك تراها صغيرة ولكنها عند الله عظيمة،لأنه لا يدخلها رياء ولا سمعة، وقس على ذلك صدقة السر فهي تكون أعظم أجراًعند الله وتقي العبد من مصارع السوء.
سلمان محمد البحيري