حينما يأتي الشتاء ويصبح البرد قارساً جداً على البشرية، فإن وقعه يتفاوت على البشر من شخص لشخص، فالبعض فيه يعاني من شح المؤونة واللباس والغطاء ويشعر بالجوع والمرض والحرمان إذا لم يجد أحداً يطعمه و يكسيه من أهل الخير،وخاصة حينما يكون لديه زوجة وأولاد فالمعاناة تكون أعظم ،وأما المؤمن فيشعر بالبرد بأنه تذكير من الله بنفس جهنم الزمهرير فقد روى البخاري ومسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: اشتكت النار إلى ربها فقالت: يارب، أكل بعضي بعضاً، فأذن لها بنفسين نفس في الشتاء ونفس في الصيف فهو أشد ما تجدون من الحر، وأشد ما تجدون من الزمهرير. وفي رواية: قالت النار رب أكل بعضي بعضا فأذن لي أتنفس، فأذن لها بنفسين نفس في الشتاء ونفس في الصيف، فما وجدتم من برد أو زمهرير فمن نفس جهنم وما وجدتم من حر أو حرور فمن نفس جهنم. ورواه مسلم في صحيحه. ولذلك المؤمن يكثر من العبادات من صوم حيث لا يشعر بالعطش ويكثر من صلاة النوافل والصدقة كما يشعر بأنه يأخذ كفايته من النوم لأن الليل طويل،وأما معاناة الأرملة مع البرد فتشعر ببرد الفقد لزوجها لأنه كان يحبها ويرفق بها ويحتويها وهي تبادله الحب ولذلك لم ترد أن تتزوج من بعده واكتفت بأن تعيش على ذكراه ولتربية أولادها، بعكس زوجين تطلقوا وكان لهما أطفال ولكن لعنادهما أصبح الأطفال هم الضحية فكل منهما قد تزوج فلا الأطفال ارتاحوا مع زوج أمهم ولا ارتاحوا مع زوجة أبيهم لأنهم يشعرون بفقد الحب والحنان وحينما يرون أقرانهم مع والديهم يتحدثون معهم ويضحكون ويلعبون ويأكلون معهم فإنهم من الداخل يشعرون بالحسرة لعدم وجود حب وحنان يدفئهم لأن والديهم غير موجودين في حياتهم ولا يشاركونهم في أدق تفاصيلهم فهم يشعرون بأنهم كالأيتام برغم أن والديهم على قيد الحياة ،وأما اليتيم في البرد فهو لا ينسى والده الذي فقده أو أمه التي فقدها أو والديه إذا كان فقدهما جيمعاً وعاش مع قريب له أو في دار الأيتام،حيث تدمع عيناه حينما يسأله أقرانه أين أبوك أو أين أمك لأنه يشعر بالبرد الدائم في داخله، كما أن من يعاني في البرد في نفسه هي الأم التي زج بها أبناؤها في دار المسنين ولم يرحموا ضعفها لأن زوجاتهم لايريدونها معهم في البيت، أو الأب الذي أدخل دار المسنين حيث خذله أبناؤه بعدما أصبح ضعيفاً وصار بحاجة لهم ويريد أحد يرعاه كما رعاهم في الصغر لذلك يشعر بالبرد وبالألم في أعماقه لفقده أبناءه الذين لم يفكروا حتى في زيارته، أو على الأقل يأتون لأخذه يوم الجمعة ليكون بينهم ليجتمع بهم ويرى أحفاده، كما من يعاني في البرد في داخله هو من قد تركه أبناؤه في المستشفى منوماً هناك ولم يأتِ أحد من أولاده ليستلموه وتركوه حتى بدون مرافقة له حيث يشكو بأنه لم يرهم منذ 8 سنوات،كما من يجد المعاناة وألم البرد في داخله هم بعض نزلاء دار الرعاية الاجتماعية حيث بعض الفتيات قد عنفن بقسوة من أوليائهن ولم يتقبلوا عودتهن لبيوتهن، كما أن هناك من يعاني من البرد والثلوج في ظل الحروب من النساء والشيوخ والأطفال وإن سلموا من القتل فهم سيموتون من البرد والخوف والجوع وانعدام الأمان ،ولا ننسى أن من يعاني من شدة البرد في قلبه وعقله هو من قد دخل السجن وانحرم من أهله وزوجته وأولاده إما بسبب الديون أو إبتلاء من الله في المخدرات أو لأنه قد دافع عن نفسه وضرب شخصاً فتسبب له بالضرر فهذا السجين يشعر بالوحدة وبثقل الوقت لدرجة أنه يشعر بأن الدقيقة بعام،وأما المحب فهو يشعر بالبرد في حناياه ويعاني من فقد محبوبته ويرى ذلك بأنه نهاية الحياة ولكن لو أنه تأمل قضاء الله بأمل وبصيرة لوجد أن الله قد صرفه عن شرور كثيرة كانت ستجعل حياته جحيماً لو أنه اقترن بمن يحبها ،والكره أحياناً يأتي بعد العشق وكما قال المثل” من أخذ عشق خلى عياف ” لذلك من كان في البرد آمناً في سربه معافى في جسده عنده قوت يومه فكأنما حيزت له الدنيا بأسرها كما قال الرسول عليه الصلاة والسلام وليحمد الله على ذلك وليتذكر المبتلى بأن الله موجود ولن يخذلك ما دمت تدعوه واصبر واحتسب وستجد الأجر المضاعف وستجد اليسر بعد العسر والفرج بعد الضيق فإن الله لا يعجزه شيء في الأرض والسموات وبذلك تشعر بأن روحك قد رضيت وهدأت وأصبحت تشعر بالدفء بالقرب من الله .
سلمان محمد البحيري