الغنائم في عزلتي

عزلتي هي الجسرُ الموصِّلُ للرُّوح،في عزلتي أحاديث متشعبة مع نفسي و أنظر من خلالها على شرفة الحياة حيث أكون سعيداً هانئاً مطلاً على الأمل و الأماني والتفاؤل والأحلام ،متأمِّلاً بناظريَّ ونبضي في الماضي والحاضر والمستقبل، وأجالسُ نفسي الهادئة المطمئنَّةً أسامرُها بكلِّ جوارحي، وأنصت لها كثيراً ولا أجور عليها  لكي تشعر بالسكون والرضا حينما لا أحملها أخطائي،فما بيننا أكبرُ من أن يُحكى ويُروى أفهمها وهي تفهمُني فأنا إليها أنتمي وهي تستقي مني حبَّها والانتماء، لكي نصيغَ العبورَ معاً في طرق الحياة نحكي معًا حكاياتٌ كثيرة ومُثيرة وأحياناً تكون صريحة ومؤلمة أسرار لطالما بُحنا بها بعضنا لبعض بمنأًى عن الأماكن والآخرين،من خلال العبراتِ والخواطر والأفكار ونثر وأشعار وخيالات،لذلك لطالما كانت عزلتي هي مرتعي وملاذي ومكاني الصغير ودنياي الواسعة الرحيبة حيث أُطلق لنفسي العنان وأُحلِّق دون قيدٍ أو رقيب وبلا هموم حيث أُفردُ جناحاي كطير حر في عالي السماء لكي تكون نظرتي أشمل ،لذلك أرى حقيقتي وحقيقة الآخرين وألمس معنى الحياة الأعمق وجمالها وروعتها،ومن خلال عزلتي المؤقتة أصبحت أعرف الناس أكثر وأحبهم بعدما إلتمست لهم العذر لأن عقول الناس مختلفة ،فمن خلال عزلتي أطل من الشرفة على الجمال وعلى الخيال لأرى إشراقةُ شمسِ أحلامي، وتلألؤ قمر و نجوم أيَّامي، ويمر شريط الذكريات حيث كانت البِدايات بسيطة ولكنها جميلة، حيث أجد فيها صوت الطفولة والصبا، وصدى البراءة حين أتذكر اللهو والضحكات وأشخاص كنا نظن بأن الدنيا لن تفرقهم عنا ولكن فرقتنا الحياة، هي أماكن نتذكرها و لي فيها البساطة و الهدوء والضحكة من القلب،برغم غيمة الشدائد في بعض الأحيان ولكن في  ظلال سحابات التفاؤل والأمل، وسكون الليل وروعة قمر الدُّجى، ولمعة النجوم السحريّة، وبعد السحر أسمع صوت الأذان يجلجل وأشعر ببرودة الفجر الجميل، وحين تكون زخَّات المطر الخفيفة الناعمة تنثُر حبَّاتها البِلَّوْريَّة الشفَّافة بخفَّةٍ وهوادةٍ على زجاج نافذتي لي فيها نبع الطفولة، وأتذكر فيها حينما نوقد النار بحطب السمر ثم نقوم بالشواء، ونسمع صوت فرقعة الكستناء لتصنع سيمفونيتها الحلوة المعهودة مع قطرات المطر النازلة على المظلة في مقدمة المنزل،عزلتي يكون بها الهدوء والتأمل عند القراءة و حينما يأتيني إلهام الكتابة، ثم تعزف سمفونية بتقاسيم الخيال وأماكنه وأطيافه لي فيها دموعي المختبئة،وأفكار طموحة وذكريات بشجنٌ قديمٌ والفرحة التائهة التي أصبحت مسروقة من بين متاهات الزمن أودعتُه فيها،وثم أبحر في سفينةٌ الإلهام حيث تُبحرُ في بحر من الذكريات، على أن تكون لي عودة من بعد الحصول على الغنائم التي من مكنون البحر.

سلمان محمد البحيري

عن سلمان البحيري

كاتب أومن بالإختلاف و حرية التعبير من غير أن تمس الثوابت الدينية والوطنية وحقوق الآخرين .

شاهد أيضاً

حكاية باب‬⁩!

لا أذكر الماضي بشكل جيّد، وليس لي «شجرة عائلة» تحدد نسبي! ‏لا أعرف ـ بالضبط ـ من أي شجرة أتيت.. ‏وبالكاد أتذكر رائحة أصابع النجار وهو يعمل بمهارة  لتحديد ملامحي النهائية. ‏كنت أظنني كرسيّاً.. دولاباً.. طاولة… شباكاً.. ‏لم يخطر ببالي أنني سأكون «باباً»! ‏  ‏حظي الرائع هو الذي أوصلني لكي أكون «الباب الرئيسي» لهذا المنزل الريفي الصغير في البداية كنت أنظر لسكانه بريبة وكانت خطوات الصغيرة «سارة» تـُشعرني بالرعب لأنني أعلم أنها ستنزع مقبضي بعنف – عند فتحي – وستجعل أطرافي ترتعد عند إغلاقي..وحدها«سيدة» المنزل ستعاتب «سارة» لتصرفها غير  المهذب معي فيما يكتفي«السيّد» بالضحكات العالية لشغب طفلتهما المدللة. …

بدايات الشغف

اقتربت أمي مني وهي تضع يدها على كتفي وتقول لي ،  أنصتي إلي نحن في …