سلمان ذاك الصغير

سلمان ذاك الطفل الصغير،أنا أتحدث معك كصديق لك لقد أصبحت مختلفاً عنك كثيراً،ليس في البدن والملامح والمظهر فقط ولكن أيضاً في الطباع والشخصية،تعرف ياسلمان الصغير لقد فقدت أشياء من شخصيتي كانت فيك مثل حب كثرة اللعب والبراءة والإبتسامة الجميلة والضحك من القلب والعفوية في الكلام،لقد جبرني رتم الحياة وعدد السنين والإختلاط مع الكبار والناس بأن أتغير ولذا أشتاق كثيراً لطباعك الجميلة والتي لازالت باقية في داخلي وكنت ياسلمان الصغير عندما أشتاق لك آخذ البوم الصور من درج مكتبي وأنظر إلى صورك وأنت تلعب وأنت هناك تضحك وفي الصور الأخرى مع بعض اقربائك و أصدقاءك،اتأمل في تلك الصور في ملابسك وأنت تركب الدراجة العادية أو بالقرب من سيارة والدك، أو حينما كنت تلعب في باحة الحارة كرة القدم أو تلعب المصاقيل أو العكوس أو لعبة المونوبولي،أو حينما كنت تذهب لبيت جدك عبدالعزيز وجدتك نوره وتكون سعيداً برؤيتهما حيث حنان جدتك وحكمتها ومحبتها للناس وحكمة جدك عبدالعزيز الذي كان يخاطبك كرجل وتعلمت منه حب الناس وحب الخير لهم ومساعدتهم او طلب الشفاعة لهم من أهل الجاه أو حل الإشكال فيما بينهم، كما أتذكر حينما كنت تذهب مع والدك وأسرتك إلى مزرعة عيال عمك في القرشية بالقرب من وادي حنيفه أو إلى مزرعة ابن عمتك عبدالعزيز الخرجي رحمه الله في الخرج،ثم وأنت تركب الأرجوحة وأحد أخوتك أو أقرباءك يدفعك وأنت تحلق في الهواء ضاحكا لأنك بعيد عن الأرض ،أو حينما كنت تذهب برفقة أسرتك وجدك ووالدك ويكونوا برفقتكم اقاربك من الخميس والحمودي حيث يتم التخييم في الإجازة بالبر في وقت الربيع ويكون الجو جميلاً ورائعاً في النهار والليل وكنت تحب البر و تحب أن تلعب فيه على الرمل مع اقرانك وتحب أن تسمع أصوات الطيور والريح والبرق والرعد وسقوط قطرات المطر وكنت تحب الصيد عندما رأيت عمك إبراهيم يصطاد ببندقيته وتأثرت بثقافته حيث مكتبته وتأثرت بعنايته بمظهره وأناقته في لبسه حتى في البر، ثم بعد وفاة عمك إبراهيم حزنت عليه حزناً شديداً ثم قرر جدك عبدالعزيز معاودة إحياء مزرعته التي في وادي وبره بالقرب من وداي حنيفه والتي قد سبق وأحياها على وقت الملك عبدالعزيز رحمه الله وقرر والدي ترك العمل في المجال الحكومي ليتفرغ العمل للمزرعة بناء على رغبة جدي رحمهما الله، وكنت ياسلمان الصغير تكون سعيداً حينما تكون في مواقع جديدة في الحياة لأنها تكون عوالم جديدة بالنسبة إليك ،وكلما كبرت قليلا يبدأ عالمك يتسع قليلاً حيث بدأ يتسع من البيت ثم إلى الحارة وبعدها إلى المدرسة والتي عندما سجلت فيها وذهبت في الأيام الأولى بكيت حينما تركك والدك عندهم وكنت تريد بأن تكون قريباً من امك ووالدك ،لأنك تريد العودة إلى عالمك الذي تربيت فيه ومحيطك الهادىء والبسيط والآمن،ياسلمان الصغير كنت أتذكر بأنك  كنت تتمنى بأن تصبح كبيراً، لكي تكون سعيداً وتحقق كل الأشياء التي تريدها، كما أني حينما أدقق في الصور أرى جدي وجدتي وأبي وأمي وعمي إبراهيم في شبابهما،كما أتذكر أقاربي الذين يكونوا سعيدين بزيارتنا وحضور المناسبات الكبيرة عندنا وخاصة الأعياد، تعرف ياسلمان الصغير أنا أتمنى بأن أترك عالمي المعاصر المثقل بكثرة المسؤوليات والهموم وأعود إلى عالمك البسيط الجميل الهادئ الذي بدون عقد وحب للمظاهر، أنا أعرف أنك لن تصدقني وأنا اعلم بأنك تريد الهروب من عالمك عالم الطفولة بأي شكل من الأشكال لكي تترك المدرسة ،لأنها المشكلة الوحيدة العويصة التي تنغص عليك في حياتك ،ولكن المستقبل الذي أنت تتطلع إليه في عالم الكبار ليس أفضل من حاضرك لأن الحياة كلما كبرت كلما إزدادت صعوبة وتعقيداً ولم تأتي على حسب مانريد وتصبح تحركاتك محسوبة عليك لأنك الكبير والقدوة في منزلك وعملك وفي حياتك ،لو أنا مكانك لتمنيت بأن أبقى دوماً صغيراً ولا تكبر ويتوقف الزمن بناسه والأقارب والجيران الذين كانت أرواحهم جميلة وكان التعامل مع الناس يتم بسلاسه وكان التنافس فيما بينهم بالمعروف والفضل والمرؤة والشهامة والكرم بدون نفاق أو رياء ،ياسلمان الصغير صدقني عالمك أجمل من عالمي الذي برغم تقدمه وتطوره ولكنه أصبح مخيفاً والناس كثرة مشاكلها والقطيعة فيما بينها برغم وجود وسائل التواصل الاجتماعي التي تختصر الوقت والزمن والمكان،وأنا لاأريدك تعيش في عالم الوقت الحاضر لأنني أخاف عليك من هذا العالم المجنون فأنا أشفق عليك لأنك ستصدم وستفقد ابتسامتك وبراءة الأطفال وأحلامك التي تخيلتها ستفقدها ،لأن الناس قد إختلفت عما هو في زمنك ،فلن تجد من يفهمك أو يشبهك في طباعك أو من يكون لديه حسن النية ،أو يفترض حسن النية في الآخرين في الحديث والتعامل،وأنا ياسلمان الصغير لاأريد أن أفقدك أو أن تتغير وسأبقيك في داخلي حيث البراءة والبساطة وحب الآخرين ،وأعلم بأن حلمك حينما كنت صغيراً بأن تكون تاجراً وتملك أرض كبيرة وأن تبنيها بيوت وتعطيها أقاربك الذين تحبهم لكي تكونوا قريبين من بعضكم البعض غير بعيدين ،الآن ياسلمان الصغير بعض الأقرباء هم من قد تأتينا منهم الإساءة والمضرة والأذى ،فلأجل ذلك لا أريدك أن ترى هذا العالم الذي لن يعجبك، لذلك سأبقيك بداخلي وإذا ضاقت علي الحياة رجعت لك لكي أتحدث معك وأضحك معك وأنا لن ابتعد عنك بعد ذلك وسأطل عليك مابين وقت وآخر وأعدك بأن أنظر للحياة بجمال من خلال ماتربيت عليه وتحبه وأن أكون محباً الخير للآخرين كما أحب لنفسي وأن أنظر للحياة على أنها مكان يستحق أن نكتشفه بفضولنا لأنها عالم مدهش ويستحق أن يعاش وأن أبقي روحي جميلة لأنك جميل وعالمك كان أجمل لأنه عالم الحب والنقاء والكرم والبساطة والعطاء.

سلمان محمد البحيري

عن سلمان البحيري

كاتب أومن بالإختلاف و حرية التعبير من غير أن تمس الثوابت الدينية والوطنية وحقوق الآخرين .

شاهد أيضاً

حكاية باب‬⁩!

لا أذكر الماضي بشكل جيّد، وليس لي «شجرة عائلة» تحدد نسبي! ‏لا أعرف ـ بالضبط ـ من أي شجرة أتيت.. ‏وبالكاد أتذكر رائحة أصابع النجار وهو يعمل بمهارة  لتحديد ملامحي النهائية. ‏كنت أظنني كرسيّاً.. دولاباً.. طاولة… شباكاً.. ‏لم يخطر ببالي أنني سأكون «باباً»! ‏  ‏حظي الرائع هو الذي أوصلني لكي أكون «الباب الرئيسي» لهذا المنزل الريفي الصغير في البداية كنت أنظر لسكانه بريبة وكانت خطوات الصغيرة «سارة» تـُشعرني بالرعب لأنني أعلم أنها ستنزع مقبضي بعنف – عند فتحي – وستجعل أطرافي ترتعد عند إغلاقي..وحدها«سيدة» المنزل ستعاتب «سارة» لتصرفها غير  المهذب معي فيما يكتفي«السيّد» بالضحكات العالية لشغب طفلتهما المدللة. …

بدايات الشغف

اقتربت أمي مني وهي تضع يدها على كتفي وتقول لي ،  أنصتي إلي نحن في …