للإعلام الرياضي دور مهم وبنّاء، سواء أكان ذلك على مستوى الرياضة المحلية أوالدولية، وإذا كان هم الإعلام هو الإثارة وإرضاء الغوغائيين والمتعصبين، فإن ذلك بلاشك يؤدي إلى فوضى وكوارث، ومثال ذلك دولياً الأزمة الاقتصادية التي حدثت ما بين ألمانيا والسويد عام 1958 م بسبب مباراة لكرة القدم التي أقيمت بين الدولتين في السويد، والتي طالب فيها الجمهوريون بشن حرب على البلد الآخر. وأيضا ماحدث من قتل 630 شخصاً في إحدى مباريات كرة القدم بسبب إلغاء الحكم هدفاً للتسلل لمنتخب بيرو لصالح الأرجنتين، خلال تصفيات أولمبياد طوكيو عام 1964 م نتيجة شغب جماهير منتخب بيرو. كذلك الانتحار الجماعي لـ 12 شخصاً من البرازيل حزنا على خروج منتخب بلادهم من التصفيات النهائية لبطولة كأس العالم لكرة القدم عام 1966م، وكذلك ماحدث بين دولة هندوراس والسلفادور من حرب عام 1970م والتي كانت بسبب كرة القدم استمرت لمدة مائة ساعة حين سجل لاعب الهندوراس هدفا مما أدى بطائرات السلفادور لتقوم بقصف مدن ومنشآت هندوراس في حرب خلفت أكثر من 4000 قتيل و12000جريح، إضافة إلى تدمير آلاف الدور السكنية بحيث فقد أكثر من خمسين ألف شخص بيوتهم نتيجة للحرب.
وماحدث عام 2009 م بين مصر والجزائر بسبب كرة القدم، حيث ذكرت جريدة الشعب المعارضة عن السبب الحقيقي لذلك وهو من أجل صفقة طائرات من شركة لوكهيد تقدر بمليار دولار لصالح الدوائر الحكومية الجزائرية، وكان المفترض أن تتم خلال ثلاثة أشهر، وكان علاء مبارك هو وكيل شركة لوكهيد مارتن في القاهرة، وكانت عمولته المفترضة من هذه الصفقة مائة مليون دولار، ومع قرب إتمام الصفقة تدخل سعيد أبوتفليقه شقيق الرئيس الجزائري وتعاقد مع وكيل فرنسي لتوريد تلك الصفقة وأخذ العمولة لنفسه، والتي كان من المفترض أن يأخذها علاء مبارك، وقد تأزمت العلاقة بين الأسرتين الحاكمتين وبالتالي بين الشعبين! كما تلقت الاستثمارات المصرية ضربة موجعة في الجزائر متمثلة في شركة جيزي التي تديرها شركة أراسكوم المصرية للاتصالات، حيث فرضت السلطات الجزائرية عليها ضرائب قبل المباراة الفاصلة بمبلغ 900 مليون دولار، مما أدى بالإعلام الرياضي في الدولتين إلى القيام بالشحن النفسي على أهمية هذه المباراة، وأنه لابد من الانتصار للكرامة الوطنية، ثم توالت التصريحات الاستفزازية من الطرفين، فتم تسيير جسور جوية من الجماهير لحشدها في المباريات الثلاث، وكانت المباراة للطرفين فرصة سانحة لتصفية الحسابات، فنتج عن ذلك شغب كبير بين الجماهير الجزائرية والمصرية وطالبت مظاهرات في القاهرة بترحيل السفير الجزائري، وقد وقعت أضرار مادية وبشرية كبيرة من الجانبين، ويرجع ذلك إلى الشحن الإعلامي الذي غذي بالتعصب مما أدى إلى تلك الصدامات. وهذه هي نتيجة الإعلام الرياضي الغوغائي المتعصب الذي يهدم ولايبني لأنه لايعترف بالحوار ولا بالثقافة.
نتمنى أن يقوم الإعلام بدور حيادي وإيجابي، بحيث يكون دوره تثقيفيا بعيداً عن الأهواء والميول، ونتمنى مشاهدة ذلك في إعلامنا من صحف وبرامج رياضية ومواقع أنترنت حتى تكون الجماهير مثقفة رياضيا ليرتفع الوعي لديها، وهنا يتجلى دور مسؤولي الأندية في عدم ركوب موجة التعصب، ولقد أحدث قرار الاتحاد السعودي الحكيم بمنع مسؤولي الأندية من التصريحات، إلى التخفيف من التعصب، لينعكس ذلك على اللاعبين خاصة وعلى الجماهير الرياضية عامة، لكي تكون المباريات بعيدة عن التشنجات. وأما عن أسباب التعصب والشغب في ملاعبنا الرياضية فهي تكمن في التصريحات الاستفزازية من الإداريين في الأندية تجاه الفرق الأخرى أو حينما يأمرون لاعبيهم بالخروج من الملعب احتجاجاً على قرار للحكم.كذلك تصرفات اللاعبين في الملاعب، وهي من أهم العوامل المؤدية للتعصب والشغب في الملاعب لقيامهم بحركات لا أخلاقية أومشادات كلامية أمام الجماهير أو اعتداءات بعضهم بعضا ما يؤدي إلى استفزاز الجمهور المنافس. كذلك الحكام حيث يعتبرون في بعض الأحيان أنهم السبب المباشر في التعصب والشغب وذلك بسبب الأخطاء الفادحة التي يرتكبونها.كذلك الإعلام الرياضي عندما لايلتزم بالحياد في تناول الأخبار الرياضية، من خلال العبارات بالخط العريض التي تدعوا للانتقام والثأر أو رغبة منهم في توزيع أكثر لصحفهم أو ضمان متابعة أكثر لبرامجهم وهناك دراسة تؤكد أن 85% من الصحفيين الذين يستخدمون الألفاظ المثيرة من أهم الأسباب المؤدية للتعصب وإثارة الشغب في الملاعب.
سلمان محمد البحيري
شاهد أيضاً
حكاية باب!
لا أذكر الماضي بشكل جيّد، وليس لي «شجرة عائلة» تحدد نسبي! لا أعرف ـ بالضبط ـ من أي شجرة أتيت.. وبالكاد أتذكر رائحة أصابع النجار وهو يعمل بمهارة لتحديد ملامحي النهائية. كنت أظنني كرسيّاً.. دولاباً.. طاولة… شباكاً.. لم يخطر ببالي أنني سأكون «باباً»! حظي الرائع هو الذي أوصلني لكي أكون «الباب الرئيسي» لهذا المنزل الريفي الصغير في البداية كنت أنظر لسكانه بريبة وكانت خطوات الصغيرة «سارة» تـُشعرني بالرعب لأنني أعلم أنها ستنزع مقبضي بعنف – عند فتحي – وستجعل أطرافي ترتعد عند إغلاقي..وحدها«سيدة» المنزل ستعاتب «سارة» لتصرفها غير المهذب معي فيما يكتفي«السيّد» بالضحكات العالية لشغب طفلتهما المدللة. …