النفس مستلقية عند الدكتور

أول ما قد بدأت في عالم الكتابة كانت في دفتر ورقي فاخر حينما كنت في المرحلة الثانوية،حيث إحترت فيما يردني من خواطر، حيث ليس كل شيء يقال للآخرين فآثرت الإحتفاظ بخصوصيتي لنفسي ولكن بدايتي كانت مضحكة ، حيث كانت الحيرة والرهبة والخوف من أن يكون الأسلوب ركيكاً وفي نفس الوقت يكون شيئاً مضحكاً فالدفتر أمامي على الطاولة والقلم بيدي حيث كنت أرتجف فأمثالي لم يتعود على الكتابة، فقلت في نفسي أخجل لو كتبت أن أسخر من نفسي أو حينما يقع هذا الدفتر في يد أحد فسأكون محل سخرية ممن حولي ،فأحترت ماذا أكتب وعن ماذا أكتب ومن هو أنا حتى أكتب عن نفسي ، ثم هربت في البداية للقراءة لكي أشغل نفسي بها وبعدما فرغت من قراءة كتاب صغير عدت ومسكت القلم للكتابة ولكن ماذا أكتب وعن ماذا أكتب وأنظر للورق الأبيض فلبثت جامداً شارداً فقلت لماذا لا أسبر صفاء نفسي وذهني وشفافية قلبي ،ثم قررت بأن يكون هذا الدفتر صديقاً مؤتمناً على أسراري وقلمي هو مستشاري وأنا أنظر لتلك الأوراق البيضاء التي مثل الأرض البيضاء المكسوة بالثلج فمتى أنثر كلماتي التي كالبذور وتظهر أشعة الشمس الذهبية حتى تنمو أزهارها في الربيع ، ثم تذكرت أن هذا الدفتر هو كغرفة الإعتراف في الكنيسة حيث الإعتراف بالذنوب للقسيس،ولكني سأعترف بأخطائي وضعفي لله حيث سأفضفض له بكل مايعتريني من إرهاصات و هموم وخذلان وصدمات من الحياة ومن بعض الناس المقربين مني ، فمن هنا لمعت في ذهني الفكرة حيث أضمن الإسترسال في الكتابة والصدق فيما أكتب وأن أسرد عيوبي فيما بيني وبين نفسي لكي أصححها بعد ذلك، فشعرت بأن الكتابة في هذا حديث سيريح النفس ويجعلها آمنة مطمئنة وتألف القلم والورق ولا تهابهم، شعرت بأن ضميري سيرتاح وأن نفسي ستكون كأنها أيضا عند دكتور نفسي حينما يكون المريض عند الدكتور يجعله متمدداً على الشيزلونق(مقعد طويل للتمدد عليه براحة) لكي يفضض فهذه الأوراق هي السرير والقلم هو الدكتور النفسي حتى إذا بدأت بالتحدث له والفضفضة له أجد نفسي بأنها قد زالت الرهبة منها وأخذت أعترف وأتعرف على مواطن ضعفي وإيماني وقوتي وأحلامي وحبي وخذلاني ممن أحب وصدمتي في القريب وفشلي في تحقيق حلم أوخسارتي لبعض المال ، حتى إذا إنصرفت من عنده أكون مرتاحاً لأنني كنت صادقاً ولذلك صار هذا القلم هو الدكتور والأوراق هي الأرض التي أنثر عليها بذوري ، فإن كانت هذه البذور طيبة من كلمات طيبة فهي ستخرج أشجار طيبة فرعها ثابت وأصلها في السماء تؤتي أكلها في كل حين وإن كانت كلمات خبيثة لا تنفع فهي لن تنفعني ولا تنفع الناس ولن يكون لها بركة ولا قرار قال تعالى ” (ألم تر كيف ضرب الله مثلا كلمة طيبة كشجرة طيبة أصلها ثابت وفرعها في السماء تؤتي أكلها كل حين بإذن ربها ويضرب الله الأمثال للناس لعلهم يتذكرون ، ومثل كلمة خبيثة كشجرة خبيثة اجتثت من فوق الأرض ما لها من قرار” وقررت بأن أدون عيوبي وأخطائي وماهي الأشياء التي تؤلمني أو المواقف التي أثرت فيني حتى أتعرف عليها وكما قررت أن أدون عن الهدف الذي أنوي تحقيقه وماهي المحطات التي سأمر بها لكي أصل لهدفي ، ثم قلت للدفتر أنت الأمين على أسراري وأﻧﺖ ﺗﺴﻠﻴﻨﻲﻋﻦﻫﺬا ﻛﻠﻪ، لأنني أظهر لك نفسي كما هي وقلبي كما هو وعقلي كما هو، لكي أشعر معك بالإرتياح وبالحرية والصدق وأتباسط معك يادفتري العزيز، لكي لا أكون متحرجاً منك ولا متأففاً ولا متكلفاً ، فينتج عن ذلك  ﺣﺮﻳﺔ اﻟﻨﻔﺲ و اﻟﺠﺴﻢ، حيث ﻣﺘﻰ أﻏﻠﻘﺖ اﻟﺒﺎب ﻣﻦ وراﺋﻲ وﺟﻠﺴﺖ إﻟﻴﻚ لكي أﺟﺪ في ذلك راﺣﺔ البال والطمأنينة، فلا أريد بأن أقلق أمي وابي وهم فيهم مايكفيهم من مشاغل وهموم فهذه مشاكلي ومعاناتي وأنا سأجتهد في حلها، وهذه ليست تعظيماً للأنا بسخافات ألقيها إليك يادفتري العزيز ولكن هذه مشاعر إنسانية نبيلة وتساؤلات أخرجها على الورق ولا أكبتها،فأنت تستطيع بأن تبقى لي صديقاً طالما جعلتك في مكان محفوظ و رفيع لا تصلك الأيادي ولا ترى صفحاتك العيون وخاصة أبي وامي وأخواني ، فلابد أن أعينك على هذا الكتمان وأبالغ في أخفائك عن المقربين من حولي ومن الناس حتى يقضي الله أمراً كان مفعولاً، فمن هنا كانت بداياتي المتواضعة في الكتابة حيث كانت مقتصرة علي في دفتري ثم بدأت الدائرة تتسع وبعدها إنتقلت للكتابة الألكترونية في المنتديات عند أول ظهور النت ثم إتسعت الدائرة اكثر في الكتابة بالصحافة الورقية والألكترونية ثم بعد ذلك المدونة الألكترونية الخاصة والتي قد جمعت مابها من كتاباتي المتواضعة لكي لاتضيع كما ضاعت كتابات كثيرة في المدونات الورقية، ثم اتجهت للتأليف وكان أول إصدار لي هو كتاب حكايا الروح، وبقية الإصدارات قادمة بإذن الله،ولكن تحتاج لمراجعة وتعديل وإضافة وتدقيق نحوي والله الموفق.

سلمان محمد البحيري

عن سلمان البحيري

كاتب أومن بالإختلاف و حرية التعبير من غير أن تمس الثوابت الدينية والوطنية وحقوق الآخرين .

شاهد أيضاً

حكاية باب‬⁩!

لا أذكر الماضي بشكل جيّد، وليس لي «شجرة عائلة» تحدد نسبي! ‏لا أعرف ـ بالضبط ـ من أي شجرة أتيت.. ‏وبالكاد أتذكر رائحة أصابع النجار وهو يعمل بمهارة  لتحديد ملامحي النهائية. ‏كنت أظنني كرسيّاً.. دولاباً.. طاولة… شباكاً.. ‏لم يخطر ببالي أنني سأكون «باباً»! ‏  ‏حظي الرائع هو الذي أوصلني لكي أكون «الباب الرئيسي» لهذا المنزل الريفي الصغير في البداية كنت أنظر لسكانه بريبة وكانت خطوات الصغيرة «سارة» تـُشعرني بالرعب لأنني أعلم أنها ستنزع مقبضي بعنف – عند فتحي – وستجعل أطرافي ترتعد عند إغلاقي..وحدها«سيدة» المنزل ستعاتب «سارة» لتصرفها غير  المهذب معي فيما يكتفي«السيّد» بالضحكات العالية لشغب طفلتهما المدللة. …

بدايات الشغف

اقتربت أمي مني وهي تضع يدها على كتفي وتقول لي ،  أنصتي إلي نحن في …