الفصل الأول
في ليلة باردة جداً خرج عبدالله من منزله بسيارته، لكي يحضر علاجاً لأمه المريضة من الصيدلية،وبينما هو في الشارع الرئيسي، إلتفت إلى شارع فرعي لمدخل حارة بجانبه أرض فاضية وكان مظلماً، فنظر في طرف الأرض داخل الحارة ورأى امرأة هزيلة عليها عباءة سوداء ومعها كيس أسود وتنظر إلى داخل الحاوية،فظن بأنها سترمي الكيس الذي معها في الحاوية،ثم لحظات ورأى طفلين قد قفزا داخل الحاوية فوقف عبدالله بسيارته على حافة الطريق وبدأ يرقب مايجري بذهول ورأى الولدين يخرجان أشياء من الحاوية ليناولاها أمهما وهي تضعه في الكيس،فأوقف سيارته بعيداً عن الشارع قليلاً،وترجل من سيارته وإقترب فإذا الطفلان لازالا في الحاوية والثالث الصغير بجانب أمه ، إنهم ثلاثة أطفال صغار في عمر الزهور تغطي أجسادهم النحيلة أسمال باليه وحينما اقترب منهم أكثر ووصل للحاوية ألقى التحية على الأم وأبنائها فرأى والدتهم عن قرب حيث كان جسمها نحيلاً وعليها أسمال بالية تحت العباءة قد تقيها من برد لايرحم ولكي يستر جسمها وكانت ترتسم على نظراتها الخوف والضعف والانكسار ولسان حالها ينطق بالفاقة وطلب العون ، فسألها عبدالله ماذا تفعلين الآن في هذا البرد بهذه الحاوية؟! فقالت : أبحث عن طعام لأولادي يسد جوعهم فقال أين والدهم ؟! فاخرجت زفرة من الأعماق وقالت : لقد توفاه الله منذ ثلاثة أعوام ولم يترك لهم شيئاً ونحن مقطوعون من شجرة من جهة زوجي الله يرحمه فلا أحد له من أقاربه وكذلك من جهة أهلي ونحن ليس لنا إلا الله ،وأنا أحصل على قوت أولادي من الحاويات التي يرمى فيها الأكل الزائد من الموسرين أو من الحاويات التي بقرب المطاعم فقال عبدالله وأين منزلكم فقالت في بيت طين جنوب الرياض أدفع إيجاره وفاتورة الكهرباء والماء من إعانة الجمعية الخيرية حيث يعطونني كل شهر 800 ريال،فقال هل الأولاد يدرسون في المدرسة فقالت : لا و أتمنى ذلك ولكن العين بصيرة واليد قصيرة فأنا لا أستطيع دفع مصاريف أدوات وملابس المدرسة وأنا مرأة لم تكمل دراستها في المرحلة الإبتدائية وليس عندي وظيفة فقال :ممكن أن تأتوا معي في سيارتي لكي أوصلكم لبيتكم وسأشتري لكم ماتحتاجونه من غذاء وملابس شهرياً وأتركي عنك عناء البحث عن الطعام في الحاويات فهذا سيضر بصحتك وبصحة أولادك،وسآتي أنا وزوجتي لكي نزوركم أحياناً فقالت: والدمعة تفر من عينها :جزاك الله خيراً لانريد بأن نشق عليك وأن نشغلك بهمومنا فأنا أستطيع بأن أتدبر شأن أولادي فقال عبدالله: لاهموم ولا مشقة تفضلي معي والأولاد وأن شاء الله تتيسر الأمور ويمكن الله قد أرسلني لكم في هذه اللحظة لأكون سبباً في مساعدتكم والناس للناس، ثم توجهوا جميعاً للسيارة خلف عبدالله وحينما وصلوا للسيارة ركبت الأم وأولادها في المرتبة الخلفية ثم ركب عبدالله السيارة وتوجه للسوبر ماركت وحينما وصل قال:انتظروني لحظة سآخذ بعض الأغراض وأعود لكم ثم دخل عبدالله السوبر ماركت وأخذ عربة التبضع واشترى لحماً وزيتاً ودجاجاً وبعض الخضار وبصل وطماطم وبعضا من الفاكهة ورزاً وطحيناً ومكرونة وحيلباً وبيضاً وخبزاً وبعض المعلبات مثل الفول والتونة والصلصة والأجبان والطحينية والمربى، ثم بعدما حاسب عند الكاشير طلب منهم بأن يضعوها في كراتين صغيرة ثم خرج من السوبر ماركت ووضع العامل الأغراض في شنطة السيارة ثم ركب عبدالله السيارة وتوجهوا لبيت أم الأطفال وكان في حارة من حارات الرياض القديمة في جنوب شرق الرياض بجانب مستوصف عتيقه والتي قد أصبحت معظم بيوتها مستودعات ومسكن للأسرالفقيرة من السعوديين والمقيمين ومن العمالة فعندما وصل عبدالله للشارع المقصود أشارت الأم بأن منزلهم هناك ذو الباب البني الحديد وحينما وصل عبدالله وقف أمام المنزل فنزلت الأم وأطفالها من السيارة وفتح عبدالله شنطة السيارة وقال :اسمحي لي ياخالة بأن أدخل الأغراض عنك وعن الأطفال للمنزل فقالت :تفضل ثم أخرج الكراتين من الشنطة ودلف داخل المنزل ووضع الأغراض في الأرض ثم قال : هل ممكن أفتح الثلاجة فأومت برأسها ففتحها ولم يجد فيها شيئاً فقال :ماعندكم فريزر فقالت : لا ثم قال عبدالله أن شاء الله سآتي أنا وزوجتي لكم غداً لكي نشتري لكم بعض الملابس والفرش ومدفأة ونظر للمنزل وإذا به بيت قديم جداً حيث له أكثر من خمسين سنة وقال: هل ستحتاجون لشيء آخر
الفصل الثاني
فقالت: جزاك الله بكل خير وماقصرت ياولد الأجواد وكثر الله خيرك والله يبارك لك في زوجتك وعيالك ومالك وصحتك ،فرد عليها وقال: الشكر لله ولا تنسي بأن تدخلي الأولاد للمدارس لكي يتعلموا حتى إذا كبروا ينفعوا أنفسهم ثم ينفعونك والله لايحرمك برهم، ولاتحلمي هم مصاريف دراستهم وسأتولى هذا الموضوع مع أهل الخير أن شاء الله وهم كثر في هذه البلاد ولله الحمد ثم استأذن وركب سيارته وتحرك متوجهاً لمنزله في شمال الرياض وهو في الطريق أخذ يتحدث مع نفسه ويقول كيف أن هذه المرأة الأرملة بعد وفاة زوجها قد أصبحت في مهب الريح؟! لا سند لها من أهلها أو أهل زوجها لأنها مقطوعة من شجرة وكيف يكون حالها هكذا مع أولادها الأيتام، ثم قرر أنه سيتاجر مع الله فيهم ويطعمهم ويكسوهم ويصرف عليهم في دراستهم لكي يتعلموا وينتشلهم من الجوع والفقر والجهل والحرمان،وربما ستكون مساعدته لهم سبباً في شفاء والدته من المرض المزمن الذي جعلها طريحة الفراش منذ عشر سنوات وحين وصل عبدالله للمنطقة التي هو ساكن بها مر الصيدلية وأخذ علاجات لوالدته ثم بعدها وصل للبيت وعندما رأى زوجته أبلغها ماذا رأى وكيف فعل معهم وسعدت الزوجة بهذا العمل الخيري الإيجابي وقال لزوجته سنزورهم أنا وأنتِ غدا لكي نأخذ لهم معنا في سيارتي العائلية الكبيرة ملابس جيدة ودفاية وفريزراً صغيراً لكي يضعوا مايحتاجونه من المواد الغذائية وأيضاً بطانيات وفرشاً لأن ماعندهم في بطن المنزل متهالكة، وعندما جاء الغد عصراً توجها عبدالله وزوجته للسوق وشروا ملابس جديدة للأرملة والأطفال بدلا من الأسمال التي عليهم وأحذية جديدة بدلا من المقطعة وجرابات شتوية وكما اشتروا دفاية وفريزراً صغيراً، وعندما خرجوا من السوق توجهوا لمنزل الأرملة في جنوب الرياض وحينما وصلوا للمنزل نزل عبدالله من السيارة وطرق الباب فخرج أحد الأولاد فقال: اخبر والدتك بحضورنا فدخل الولد وبعدها بلحظات عاد وقال تفضلوا ودخلت زوجة عبدالله بعدما سمحوا لهم وسلمت على الأرملة وعرفت بنفسها وأدخل عبدالله وزوجته الأغراض ثم استأذنوهم برغم إلحاح الأرملة على أن يتناولوا القهوة والشاي ولكن عبدالله تعذر وقال إن شاء الله في فرصة ثانية ، وبعد هذه الزيارة صار عبدالله وزوجته يزورنهم أسبوعياً ليتفقدوا حالهم حتى كبروا الأولاد ودخلوا المدرسة الابتدائية وكبروا وكان عبدالله يتابع حالتهم الدراسية أحياناً في المدرسة مع المدرسين حتى وصلوا للمرحلة الثانوية وعملوا واعتمدوا على الله ثم على أنفسهم فاشترى لهم عبدالله سيارة لكي يذهبوا عليها للعمل في المساء والدراسة والجامعة في الصباح وتساعدهم في تنقلاتهم مع والدتهم التي تراجع المستشفى أحياناً،ومع مرور السنوات تخرجوا من الجامعة وعملوا في شركات كبرى ثم مع مرور الوقت أصبحوا من القياديين في تلك الشركات وصار الأولاد يزورون عبدالله في منزله ويسلموا عليه وكذلك في رمضان والأعياد ويعتبرونه والدهم وبعدها بسنوات اشترى هؤلاء الأيتام الذين أصبحوا رجالا فلة لهم وتغيرت حياتهم للأفضل بسبب صنائع المعروف والفضل والإحسان وأن القيام على الأرملة ورعاية الأيتام فيه خير كثير من الله في الدنيا والآخرة قال الرسول صلى الله عليه وسلم “مثل القائم على الأرملة كالمجاهد في سبيل الله وقوله عليه السلام “أنا وكافل اليتيم في الجنة كهاتين “.
سلمان محمد البحيري