ليلة غريبة

أتذكر مرة حينما كنت في المزرعة،مرت علي ليلة لن  أنساها لأنها كانت جميلة وفي نفس الوقت موحشة وحزينة وكنت وقتها موجهاً وجهي نحو الغرب بعد العصر قبل المغرب بلحظات حيث أمتع ناظري بمرأى الشفق فأنتعش بذلك خاطري بهذا المنظر الجميل وأصبح افق الشفق فاتناً كأني أرى قوس قزح فنثرت الشمس بألوانها الذهبية على الحقول النضرة ثم نظرت إلى تلك الربوة التي نثر الله عليها عدة ألوان من الزهور وكأن عليها فرش سندس حيث كأنه بساط من إستبرق نثر عليه اللؤلؤ والياقوت والمرجان والزبرجد والماس بدأ لي المكان وسط الخضرة في الغسق الوشيك جميلاً ومختلفاً، وكانت الرياح قد بدأت بحفيفها من الجبال وهبت رائحة تلك الزهور والحقول النضرة في الوادي إنه جمال الطبيعة في الربيع وأنا أكون مفتوناً بهذا الحسن الساحر حيث أرى الفراشات والنحل واليعسوب والدعسوق تمرح وتجوب في كل مكان ثم قامت تلك الأشجار والنخيل بالتراقص وكأن الطبيعة ستبدأ عزف سيمفونيتها وبعد الغروب ظهر البدر في أبهى صورته ثم أخذت أسمع حفيف النخيل والشجر ثم بدأ غناء الكورال فأخذت تغني العنادل والكروان والعصافير والجنادب وأخذت تنوح القمريات، ثم إنكمشت الدجاجات في أعشاشها والحيوانات في حظائرها وبعدها أقلت هذه الرياح سحباً سدت به الفق وأخفت البدر وبدأت تعزف السيمفونية بقوة وأخذ الرعد والبرق يضربان بإيقاعهما بقوة والرياح تئن من الحزن ومالبثت السماء أن جادت بهتان غسل النخيل والأشجار وجعل الأزهار والجداول الزراعية نضرة وجميلة  وبعدها بنصف ساعة تقريباً إنقشعت الغيوم وأطل البدر مرة أخرى ولكن كأنه درة وهاجة وكأنه قد غسل بالمطر ثم رأيته منعكساً على أحواض الماء والتي قد تجمعت في الأحواض بعد المطر وقد رأيته يلمع على النخيل والأشجار والزهور والنباتات كانت ليلة سحرية وبإمتياز ثم أخذا البلبل والكروان والقمري يغنون في تلك الليلة بأنغام سحرية تشجن وكأن أصواتهم بها أنين الفقد الحزين وكأنهم قد فقدوا إناثهم ولقد أيقظ ذلك ماسكن بي من أليم الذكريات فتبدل سروري نكداً وأغرورقت عيناي بالدموع في هذا الليل ونظرت للسماء فكانت النجوم تتلألأ كقماش دمشقي فاخر مرصع بالألماس وبينما أنا مطرق الرأس أتذكر وأفكر إذا شعرت بيد حانية تمسح على مفرق رأسي وتمسح دموعي من على وجنتي بمنديل وحينما نظرت فإذا هو طيف الأدب بوجهه المشرق باسماً لي ويقول ” هناك بالمجلس على الرف كتاب جديد لم تقرأه وهو خير عزاء لك الآن وسيداوي روحك ” ثم قال لي أيضا ” إن الأديب هو طبيب وفنان إنساني كالموسيقي والرسام والنحات جعله الله بلسماً للمتألمين وملطفاً لشقاء البائسين ومعزياً للمصابين،فقل للأدباء بأن لايكتموا مشاعرهم الإنسانية ولايقمعوا خواطرهم وقصصهم وكلماتهم الجميلة فهي تهب للناس الأمل والحب للآخرين و بأن الله موجود والحياة جميلة وانها عزاء لهم ولغيرهم من الموجوعين وتعطيهم الإيمان والأمل والتأمل والتفاؤل ويعتبر ذلك عبادة وتسبيح وتمجيداً للخالق ولو لم يقدرها بعض البشر، فيسثمنها الله رب العالمين.

سلمان محمد البحيري

About سلمان البحيري

كاتب أومن بالإختلاف و حرية التعبير من غير أن تمس الثوابت الدينية والوطنية وحقوق الآخرين .

Check Also

حكاية باب‬⁩!

لا أذكر الماضي بشكل جيّد، وليس لي «شجرة عائلة» تحدد نسبي! ‏لا أعرف ـ بالضبط ـ من أي شجرة أتيت.. ‏وبالكاد أتذكر رائحة أصابع النجار وهو يعمل بمهارة  لتحديد ملامحي النهائية. ‏كنت أظنني كرسيّاً.. دولاباً.. طاولة… شباكاً.. ‏لم يخطر ببالي أنني سأكون «باباً»! ‏  ‏حظي الرائع هو الذي أوصلني لكي أكون «الباب الرئيسي» لهذا المنزل الريفي الصغير في البداية كنت أنظر لسكانه بريبة وكانت خطوات الصغيرة «سارة» تـُشعرني بالرعب لأنني أعلم أنها ستنزع مقبضي بعنف – عند فتحي – وستجعل أطرافي ترتعد عند إغلاقي..وحدها«سيدة» المنزل ستعاتب «سارة» لتصرفها غير  المهذب معي فيما يكتفي«السيّد» بالضحكات العالية لشغب طفلتهما المدللة. …

بدايات الشغف

اقتربت أمي مني وهي تضع يدها على كتفي وتقول لي ،  أنصتي إلي نحن في …