يعتقد بعض المراقبين بأن رياح الربيع العربي التي مرت على بعض الدول العربية، مثل، تونس وليبيا ومصر واليمن والآن سوريا، ستستمر وتمر على دول الخليج؛ بسبب أن تركيبة المنطقة العربية عموماً متشابهة ومتقاربة من جهة عدم وجود بعض الإصلاحات السياسية والاقتصادية الذي نتج عنه الفساد، وغياب للحريات، كما أن الشعوب التي حدث بها الربيع قد سئمت من الشعارات التي كانت ترفع، من حيث أنها محور دول المواجهة مرة، وأنها دول الصمود والتصدي مرة أخرى، لذلك لم تقم دول المواجهة بعمل خطط تنموية؛ مما جعل شعوبها تزكم أنوفهم بريح الفساد؛ لعدم تنفيذ أي إصلاحات تلامس حياة هذه الشعوب، فهم في نظر هؤلاء الحكام لا حقوق لهم، وربما يقول قائل بأن دول الخليج لم تصل إليها رياح الربيع بسبب اهتمام دول العالم المصنعة الكبرى بهذه المنطقة، ورغبتها بوجود الاستقرار فيها، وأن هذا عامل استثنائي يمنع أي اهتزازات للتغيير لأن هذه المنطقة الحساسة من العالم خط أحمر لا يسمح بتجاوزه، لأنها تعد رئة العالم الذي يتنفس به؛ بسبب وجود آبار ومستودعات النفط التي تغذي العالم بالطاقة. وأقول هذا كلام صحيح، ولا يمكن الاختلاف عليه أو تجاهله، ولكن هذا لا يكفي، والدليل ما حدث من ثورة في إيران في عهد الشاه محمد رضا بهلوي عام 1979م وهي الدولة التي كانت مهمة للغرب؛ حيث كانت تعد شرطي المنطقة في ذلك الوقت، وذلك لما تشكله من أهمية من نواحٍ نفطية واستراتيجية، ولقد وقف الغرب في ذلك الوقت مكتوف الأيدي عند حدوث ثورة الملالي ولم يستطع فعل شيء، حتى أنه لم تستطع أي دولة استقبال الشاه المريض ولو لأسباب إنسانية، لذلك فلتحذر دول الخليج من اتكالها على الغرب في هذا الجانب؛ لأن دول الغرب لا تستطيع تغيير إرادة الشعوب ولكن لو رجعنا لتاريخ شعوب الخليج فإن غالبيتها كانت عندها نوع من المشيخات، ولديها نوع من ديمقراطية القبيلة، حيث كانت أبواب المشايخ والحكام وما زالت مفتوحة لكافة المواطنين لأجل النظر في شكاوى المواطنين، وحل قضاياهم، وبعد خروج النفط بدأت دول الخليج في خطط التنمية مبكراً، وبناء مجتمعات الرفاهية وإيجاد البنية التحتية المتقدمة، وعملت بعضها مبكراً دساتير وتشريعات وطورت أنظمة الحكم لديها، وأنشأت مجالس للشورى والأمة ولقد أصبحت دول الخليج مضرب المثل في سرعة التقدم والرفاهية وتوفر المعيشة والأمن بعدما كانت توصم من إعلام دول في ذلك الوقت مثل مصر وسوريا ولبنان وليبيا والعراق والجزائر بأنها دول رجعية ومتخلفة، ولكن عندما تقدمت دول الخليج على هذه الدول أصبح بعض هذه الأنظمة العربية يروج لشعارات بأن عدم مغامرتها للدخول في خطط التنمية، بسبب أن دولهم في حالة حرب ومواجهة مع إسرائيل، وعندما هبت رياح الربيع العربي انكشفت هذه الدول بأنها لم تقم بإصلاحات اقتصادية وسياسية تلمسها شعوبهم منذ أكثر من ثلاثة عقود، واتضح أن خيرات هذه البلاد تحول لبنوك في سويسرا وتنتفع بها فئة معينة دون النظر لأبسط مطالب هذه الشعوب ألا وهو العيش بكرامة، فكان أن تحركت هذه الشعوب سلمياً باعتصامات ومظاهرات لعدة سنوات وكان لا يتم الحوار معهم بل يتم اعتقال بعضهم، والتنكيل بهم، مما جعلهم يصرون على مطالبهم، ويقومون بتحركات شعبية شاملة حتى تم التغيير في هذه الدول، فمن خلال هذه الدروس التي حدثت ينبغي على دول الخليج أن تؤمن بأنه لن ينفعها إلا الله ثم شعوبها، فإذا كسبت دول الخليج شعوبها من خلال الاستماع لها وتلمس مشكلاتها وحلها من خلال إيجاد إصلاحات اقتصادية وسياسية تلمسها هذه الشعوب في حياتها اليومية؛ نظراً لارتفاع تكلفة المعيشة والسكن والغذاء وتطوير الرعاية الصحية والتعليم.. إلخ، فهي بذلك تكون قد ضمنت وقوت جبهتها الداخلية ضد أي عدوان خارجي أو عميل داخلي ينفذ أجندة خارجية، فمن خلال الأحداث الأخيرة التي حدثت في دول الخليج والتحركات المشبوهة في البحرين والقطيف والكويت والإمارات يتضح أن شعوب دول الخليج لا تريد أحداً غير حكامها، ولا تسمح لأحد أن ينتهك سيادة دولها فهذه الشعوب الوفية تستحق من دولها أن تكافئها على وفائها، لأنها لم تلتفت إلى المحرضين من دول خارجية أو المحرضين من بعضهم في الداخل. فاللهم احفظ لنا دول الخليج حكاماً وشعوباً من كل مكروه.
سلمان محمد البحيري
شاهد أيضاً
حكاية باب!
لا أذكر الماضي بشكل جيّد، وليس لي «شجرة عائلة» تحدد نسبي! لا أعرف ـ بالضبط ـ من أي شجرة أتيت.. وبالكاد أتذكر رائحة أصابع النجار وهو يعمل بمهارة لتحديد ملامحي النهائية. كنت أظنني كرسيّاً.. دولاباً.. طاولة… شباكاً.. لم يخطر ببالي أنني سأكون «باباً»! حظي الرائع هو الذي أوصلني لكي أكون «الباب الرئيسي» لهذا المنزل الريفي الصغير في البداية كنت أنظر لسكانه بريبة وكانت خطوات الصغيرة «سارة» تـُشعرني بالرعب لأنني أعلم أنها ستنزع مقبضي بعنف – عند فتحي – وستجعل أطرافي ترتعد عند إغلاقي..وحدها«سيدة» المنزل ستعاتب «سارة» لتصرفها غير المهذب معي فيما يكتفي«السيّد» بالضحكات العالية لشغب طفلتهما المدللة. …