كآبة كورونا

مرت علي أثقل ثلاثة شهور في حياتي وهي خلال أزمة كورونا،فقد أجريت في بدايتها عملية الحصوة في المستشفى وقد كنت متردداً في الذهاب لأسعاف المستشفى حين التعب خشية بأن ألتقط العدوى هناك ولكن شدة الألم لم تترك لي خياراً آخر وبعد إجراء العملية بنجاح والحمد لله والتنويم لأربعة أيام، وبعدما خرجت بدأ الحظر الجزئي وبعدها بفترة جاء الحظر الكلي للتجول ولكنها لم تطل حتى جاء الفرج وأعلن متحدث وزارة الصحة بأن حالات التشافي في إزدياد وأن حالات الإصابة بكورونا قليلة جداً،وعلى أثر ذلك سمح للناس بالصلاة في المساجد وفتح المولات والأسواق ولكن بحذر على أن يتم تطبيق التعليمات وعدم الإختلاط والتقارب وأن يتم الكشف بالأجهزة على الناس والتعقيم وأن يكون الناس ملتزمين بإرتداء الكمامات والقفازات وتم عودة الموظفين في القطاع العام والخاص ومما زادني ألماً وحيرة هو مرض زوجتي خلال فترة كورونا في تلك الشهور الثلاثة حيث كانت تشعر بالألم مما جعلني أشعر بالحيرة والقلق والعجز حتى تيسر أمرها وأدخلتها المستشفى وبدأت بالتعافي بالشفاء والتحسن برغم أنها لازالت تحت الرعاية في المستشفى،ولقد كانت جلستي في المنزل كسياسي فرض عليه الإقامة الجبرية في المنزل وكان أغلب وقتي بعد أداء الصلاة والأكل في مكتبتي بالمنزل مع أصدقائي الكتب الورقية وكوب القهوة وأحياناً أتصفح مكتبتي الألكترونية عن طريق جهاز كندل أو في أحد التطبيقات الخاصة بذلك حيث أقرأ في أنواع الكتب والروايات حتى وصلت لمرحلة التشبع من القراءة حيث كنت أود بأن أقرأ كثيراً لكي يأتيني الإلهام في الكتابة وكنت عاجزاً جداً عنها حيث أكون ممسكاً القلم وأمامي الورق ولكن لايوجد بداخلي شعور أو أي فكرة حتى ضجرت، والمشكلة لا أستطيع السفر لا في الداخل ولا الخارج ولا أستطيع الذهاب للمزرعة برفقة الأصدقاء ولا إستراحة فشعرت بالكآبة والضيق والوحدة، وبينما أنا موجود في المكتبة أخذت أتأمل الورد على طاولتي وأقول له “الم تمل أيها الورد من الصمت،الم تمل مني ؟! ااجعلهم يقطفونك من شجرتك لكي تأتي وتذبل على طاولتي وأمام ناظري كم أنا أناني لقد حرمتك من الحياة والطبيعة” ثم نظرت إلى بعض المجلدات والروايات في الأرفف وأخرجتها ثم نظفت الأرفف من التراب ثم أخذت أمسح التراب عن تلك المجلدات القديمة برفق وهي كانت موجودة لدي منذ الدراسة وقلت” شكراً لكم أيها الأصدقاء الأوفياء لأنكم لم تتغيروا علي أو تتكبروا أو ترحلوا لأني كنت وفياً معكم ولم أفرط فيكم فكنتم أوفياء معي طوال تلك السنين حيث الإنتقال من بيت إلى بيت وكنت عندما أحتاجكم أرجع لكم وأشاوركم والجئ إليكم وأكون سعيداً برائحتكم في مكتبتي”،حيث كنت أفتح كل كتاب منهم أو بعض الروايات وأرى التواريخ التي قد كتبتها أو بعض الإهداءات المكتوبة من الأخوة والأصدقاء والأقارب والأحبة فتأخذني الذكريات الجميلة هناك ،وأنظر لمكتبي ومكتبتي وأتذكر مفاجأة بناتي لي، حيث فاجأتني بنتي أماني بذلك وثم ألتفت إلى ذلك القلم الجميل الفاخر في الدولاب وهذا قد جآني هدية من صديق خارج السعودية ونظرت في الدولاب الآخر ووجدت التماثيل المصرية المذهبة عن فترة حكم الفراعنة وبعض التحف والمراتب المستديرة قد جآتني من مصر، ثم نظرت في الدرج السفلي فوجدت بعض العطور والبخور التي إشتريتها والبعض الآخر هدية من بعض المحبين لي ،ثم جلت بناظري ورأيت مصباح المكتب فنظرت إليه وقلت ألم تمل من الوقوف في مكان واحد ألا تتعب حيث أتركك بعض الأحيان إلى الصباح وعندما أستيقظ صباحاً أجد وجهك مضيئاً ولم تعبس أوتتذمر أو تشعر بالإرهاق فأنت صديق جيد أيها المصباح” ورفعت رأسي قليلاً فنظرت لصوري الثلاث المبروزة وأكلم كل صورة على حدة وأذكرها بالمناسبة ومن صورها ثم أقول لنفسي” هل ياسلمان تستطيع بأن تجعل هذه الصورة أيقونة لأعمال قيمة في حياتك وبعد رحيلك فهل تستطيع بأن تحقق لك مجداً في عالم الكتابة والأدب فهناك الكثير من الأدباء اللامعين قد برزوا في ذلك بعدما قضوا من حياتهم عشرات السنين في الكتابة مثل تولتسوي ودوستويفسكي وتوماس مان ونجيب محفوظ وطه حسين وتوفيق الحكيم فقلت لنفسي “من فضلك لاتقلل مني فأنا أرى في الأدب سعادة لي وحينما أكتب نصف صفحة أو صفحة أكون سعيداً صحيح بأن الطريق لازال أمامي طويلاً ولكني أرى بأن الكتابة شغف تجعل من يومي جميلاً وأشعر بالمتعة والسعادة ،وحينما لا أستطيع الكتابة أشعر بأن هذا العالم لايطاق وذلك حينما أكون عاجزاً عن إيجاد خاطرة في قلبي أو فكرة تلح علي في عقلي ولكن عندما أختلط بالناس وأتحدث معهم ويشاوروني في أمورهم الخاصة أو يخبروني بقصص الآخرين ينتج عن ذلك أفكار ومادام أن هذا الشغف لدي لذلك أطمح في المستقبل القريب بإذن الله بأن أستطيع تأليف كتب وعدة روايات لذلك لن أجعلك تنال مني وتحطمني”، ثم نظرت للساعة في المكتبة والتي أخذت بطاريتها لكي لاتزعجني بدقاتها وتحرك عقاربها فهذا يشوش علي في القراءة وعلى أفكاري في الكتابة،ثم نظرت مع الجهة الأخرى للمبخرة الذهبية وحين رأيت السواد بداخل فمها هالني حزنها وإهمالي لها ثم قلت لنفسي “لماذا أنا أناني ومهمل وقاسي عليها هل لأجل لأني أبخر نفسي وأبخر المكتب أحرق هذه المبخرة الجميلة وأهملها واجعلها قبيحة” وأخذتها ونظفتها، وبعدها نظرت للنافذة وقلت لماذا ينبغي على في الصباح والمساء بأن أستمع لصوت العصافير والقمري بالقرب من نافذتي إنهم يحاولون إغاظتي بالحرية لأن عالمهم لايوجد فيه كورونا ولامنع تجول، فعندما تجتمع تلك الأمور وأفكر بجدية أرى بأنها من الله رسائل وبدأت في تهدئة نفسي كي تطمئن وأقول لنفسي هذا قضاء وقدر و مصيرك ستتعود وتتأقلم مع هذا الوضع وهذا أمر لله وأحمده بأنك لست مريضاً في العناية المركزة أو ملقى بك في غياهب السجن أو أنك تعيش بعيداً غريباً عن وطنك وأهلك وأحبتك.

سلمان محمد البحيري

عن سلمان البحيري

كاتب أومن بالإختلاف و حرية التعبير من غير أن تمس الثوابت الدينية والوطنية وحقوق الآخرين .

شاهد أيضاً

حكاية باب‬⁩!

لا أذكر الماضي بشكل جيّد، وليس لي «شجرة عائلة» تحدد نسبي! ‏لا أعرف ـ بالضبط ـ من أي شجرة أتيت.. ‏وبالكاد أتذكر رائحة أصابع النجار وهو يعمل بمهارة  لتحديد ملامحي النهائية. ‏كنت أظنني كرسيّاً.. دولاباً.. طاولة… شباكاً.. ‏لم يخطر ببالي أنني سأكون «باباً»! ‏  ‏حظي الرائع هو الذي أوصلني لكي أكون «الباب الرئيسي» لهذا المنزل الريفي الصغير في البداية كنت أنظر لسكانه بريبة وكانت خطوات الصغيرة «سارة» تـُشعرني بالرعب لأنني أعلم أنها ستنزع مقبضي بعنف – عند فتحي – وستجعل أطرافي ترتعد عند إغلاقي..وحدها«سيدة» المنزل ستعاتب «سارة» لتصرفها غير  المهذب معي فيما يكتفي«السيّد» بالضحكات العالية لشغب طفلتهما المدللة. …

بدايات الشغف

اقتربت أمي مني وهي تضع يدها على كتفي وتقول لي ،  أنصتي إلي نحن في …