نشأ أندرو جلاستي (20 عاما) وسط أسرة مضطربة. أبصر النور وهو يشاهد والده يضرب ويشتم ويتهكم على أمه. انفصل والداه قبل أن يكمل السابعة. كان يعيش بين منزلين. يقضي أيام الأسبوع في منزل أمه، وفي نهايته ينتقل إلى منزل والده. وفي أحد الأيام، قبل أن يكمل العاشرة من عمره، كان في انتظار والده في الموعد المعتاد ليقله إلى منزله. لكنه لم يأت. وعندما ذهب مع والدته إلى منزله لم يجداه. أخبرهما الجيران بأن والده رحل إلى ولاية أخرى. رحل دون أن يودعه وشقيقته. غادر دون سابق إنذار. تألم أندرو إثر هذا الرحيل المفاجئ. لكنه كان يتألم أكثر عندما يرى أمه تكافح وحدها بجسدها النحيل المثخن بالجراح من أجل تأمين لقمة العيش له ولشقيقته. لم يستسلم أندرو لحزنه الفادح. انكب على الاستفادة من الإنترنت. تعلم إنشاء المواقع والمدونات وهو في الرابعة عشرة من عمره. شرع في تصميم المواقع الإلكترونية لأترابه بمبالغ بسيطة. هذه المبالغ كانت تجلب الفاكهة والسعادة لمنزله المريض. إجادته لتصميم المواقع شجعته على تعلم البرمجة. كبر أندرو وكبرت أحلامه وإنجازاته. صمم مئات المواقع التي جعلت اسمه يتردد بين أقرانه كنجم. اليوم أندرو يعد أحد أهم الشباب الواعدين في التدوين والتصميم وعالم الأعمال. أنشأ العديد من المواقع والمدونات الواعدة. أهمها (ليفيد). كما أسس شركة لتعبئة المياه تحقق نجاحا ملموسا وهو لم يصل إلى الواحد والعشرين من عمره بعد.
نحن في هذه الحياة أمام خيارين إما أن ننتصر أو نحتضر. معظمنا يختار الاحتضار حينما يحل يأسه محل أحلامه. عندما تتبخر كل أمنياته بسبب عقبة اعترضت طريقه أو صدمة تعرض لها. كلنا بوسعنا أن ننتصر مهما قست علينا ظروفنا. الظروف الصعبة مدعاة للتألق. وذريعة عظيمة للتميز. فلمَ لا نستثمرها؟ إن أعظم نجاحاتنا هي التي تأتي بعد الهزات والصدمات التي نتعرض لها. فأطيب الثمار لا تهطل من الأشجار إلا بعد أن نهزها، نهزها بقوة.
العمل الجاد والمخلص عندما يأتي مدفوعا بألم وجراح يحقق نجاحا لا عين رأت ولا أذن سمعت. جميعنا باستطاعتنا الفوز بلا استثناء. تتفاوت الإمكانات بيننا بلا شك. لكن “جميع الناس فنانون بشكل أو آخر”، كما قال علي عزت بيجوفيتش. والذكي هو الذي يعرف بماذا يتميز. ليجني ثمارا وسعادة.
لو كل واحد منا أدرك أين تكمن موهبته وعمل على تنميتها وصقلها لن نجد يائسا بجوارنا. وحتى لو لم يملك أحدنا موهبة محددة باستطاعته أن يصبح ناجحا إذا رغب في ذلك. هذه الرغبة تتطلب جهدا وعزيمة وليس نوما واتكالية. يقول نوفاليس: “يستطيع كل الناس أن يكونوا نوابغ لو لم يكونوا كسالى”. وقد نجح ديفيد سميث دون موهبة ولا رأس مال في أن يصبح رجل أعمال واعدا. فعندما فشل في إتمام رسالة الماجستير في الإدارة المالية وطرد من عمله في البنك الذي أعطاه منحة دراسية تذكر أن لديه كرتي قدم بتوقيع من اللاعب الإنجليزي الشهير جاري لينكر، الذي التقاه بعد خروجه من مطعم هندي بلندن. باع الكرتين بنحو 3000 جنيه إسترليني عن طريق موقع المزاد الإلكتروني (اي بيه). نجاحه في تسويق الكرتين دفعه لتتبع المشاهيرلاعبين وفنانين في كل المجالات ومطاردتهم للحصول على تواقيعهم على تذكارات مختلفة. جنى مالا وفيرا وعلاقات واسعة جراء التذكارات الموقعة التي باعها مما مكنه لاحقا من افتتاح متجر لبيع التذكارات والتحف المختلفة من سائر أنحاء العالم. وتعرض حاليا في متجره مقتنيات ولوحات تشكيلية نادرة يتجاوز سعر الواحدة منها المليون جنيه إسترليني.
ديفيد بعد أن حصد أول مئة ألف جنيه إسترليني من أرباح متجره بعث بهدية تذكارية ثمينة لمديره الذي فصله من البنك كتب على بطاقتها: “سيدي، شكرا لأنك فصلتني. فلو كنت مازلت موظفا في البنك لتدهورت ميزانيتي وحياتي عندما أضطر لتغيير إطار سيارتي”.
يقول عباس العقاد: “الصدمات نوعان واحدة تفتح الرأس وأخرى تفتح العقل”. فعلينا أن ندرك أن الصعوبات التي تواجهنا والصدمات التي نتعرض لها بوسعها أن تكون مصدر بهجة غفيرة مستقبلا بشرط أن نستقبلها برباطة جأش وعقل مفتوح. الصعوبات لا تقتل. الحزن هو القاتل.
الكاتب / عبدالله المغلوث
المصدر مدونة عبدالله المغلوث
http://almaghlooth.com/?p=46#more-46