سقوط إيريك هوفر

ولد الأمريكي إريك هوفر لأبوين ألمانيين مهاجرين. أتقن اللغتين الإنجليزية والألمانية مبكرا. اعتنت أمه بتربيته كثيرا. كان يقضي جل يومه حتى وصل إلى الخامسة وهو في أحضانها أو على كتفيها أو بين ذراعيها. كان أقرانه يتسلقون السلالم ويهبطون منها قفزا. لكن إريك كان لا يصعد الدرج ولا ينزل منه إلا بمعية أمه. تخاف عليه أن يسير بقدميه الغضتين فيتعثر. في عامه السادس انزلقت أمه من الدرج وهي تحمله. فسقط الاثنان معا. إريك استطاع الوقوف مجددا. لكن دون بصر. لم يعد بوسعه أن يرى شيئا. بينما أمه لم تستطع النهوض مجددا. يوما بعد يوم يزداد وضعها سوءا. ماتت بعد عامين بأثر جراحها ونزيفها. اعتنت بإريك سيدة ألمانية مهاجرة تدعى مارثا. كانت تطعمه وتقرأ له قصصا وكتبا. عاد إليه بصره عندما بلغ 15 عاما دون مقدمات. ساورته شكوك أنه سيفقد نظره مجددا. فبات يقرأ ليل نهار. يقرأ بنهم كعالم كهل. بعد خمس سنوات تأكد تماما أنه لن يفقد نظره مجددا لكنه استمر دودة كتب. ينفق يومه تماما بين أحضان الورق. حقق حلمه في العمل في مكتبة. كان لا يصدق أنه يحصل على أجر لأنه يقرأ. رغم السعادة التي كانت تسكنه اضطر إلى ترك المكتبة بسبب إغلاقها لصيانة طويلة، فعمل منقبا عن الذهب. كان العمل صعبا لكنه كان دافعا له للكتابة. قرأ في أطراف رفاقه في المناجم قصصا وروايات كتب عنها. أصبح كاتبا مثيرا بطرحه وآراؤه. قدم سلسلة من المؤلفات، كان أهمها على الإطلاق “المؤمن الصادق” الذي ترجمه إلى العربية الدكتور غازي القصيبي، رحمه الله.

عندما سئل إيرك عن أهم شخصية تعلم منها فأجاب: “الدرج الذي سقطت منه مع أمي”. لقد كان سقوط إيرك ارتفاعا. بذر في أعماقه حب القراءة. عندما تولع هوفر بالحروف أشعل حياته وحياة الكثيرين بالكلمات. تفوق على كثير من أترابه بثقافته ووعيه وفكره. هذا الفكر الذي لم يكن بوسعه أن يناله دون أن تتعثر قدم أمه فيسقطان معا.
أحيانا كثيرة سقوطنا هو صعودنا،يسقط المطر ليرتفع الشجر.
الأستاذ / عبدالله المغلوث
المصدر جريدة الإقتصادية
http://www.aleqt.com/2015/04/02/article_945566.html

عن سلمان البحيري

كاتب أومن بالإختلاف و حرية التعبير من غير أن تمس الثوابت الدينية والوطنية وحقوق الآخرين .

شاهد أيضاً

حكاية باب‬⁩!

لا أذكر الماضي بشكل جيّد، وليس لي «شجرة عائلة» تحدد نسبي! ‏لا أعرف ـ بالضبط ـ من أي شجرة أتيت.. ‏وبالكاد أتذكر رائحة أصابع النجار وهو يعمل بمهارة  لتحديد ملامحي النهائية. ‏كنت أظنني كرسيّاً.. دولاباً.. طاولة… شباكاً.. ‏لم يخطر ببالي أنني سأكون «باباً»! ‏  ‏حظي الرائع هو الذي أوصلني لكي أكون «الباب الرئيسي» لهذا المنزل الريفي الصغير في البداية كنت أنظر لسكانه بريبة وكانت خطوات الصغيرة «سارة» تـُشعرني بالرعب لأنني أعلم أنها ستنزع مقبضي بعنف – عند فتحي – وستجعل أطرافي ترتعد عند إغلاقي..وحدها«سيدة» المنزل ستعاتب «سارة» لتصرفها غير  المهذب معي فيما يكتفي«السيّد» بالضحكات العالية لشغب طفلتهما المدللة. …

بدايات الشغف

اقتربت أمي مني وهي تضع يدها على كتفي وتقول لي ،  أنصتي إلي نحن في …

اترك تعليقاً