حتى لا تلقى مصرعها

اكسروا حاجز الخوف وجربوا، فالتجارب وحدها هي التي تصنع منا ومن أعمالنا شيئا مثيرا للاهتمام.

تعرفتُ قبل نحو سبع سنوات على مبرمج جميل، يملك أفكارا مبهرة. يحدثني في كل مرة عن مشروع جديد يعكف عليه، لكن مشكلته الكبيرة أن جل مشاريعة لا ترى النور، ويرى دائما أن هناك شيئا ناقصا يجعله يصرف النظر عن الفكرة، التي يعمل عليها ويبحث عن أخرى. صاحبي مريض بمتلازمة ”المشروع الكامل”، الذي لا يوجد فيه أي قصور أو جوانب ضعف. نصحته أن يدفع ببعض مشاريعه إلى الجمهور وهم من يقيمونها، فلا يوجد مشروع كامل متكامل، بيد أن صاحبي لا يسمع إلا لنفسه.

هناك الملايين ممن هم على شاكلة صديقي، ويملكون الموهبة والقدرة، لكنهم يقسون على أنفسهم بعدم إفشاء مشاريعهم وإطلاقها للعالم، ويحتفظون بها في رؤوسهم حتى تلقى مصرعها في حادث أليم في خيالهم.

إنني مؤمن تماما بأن أي مشروع كالطفل، لا يولد ناضجا، يكبر تدريجيا، ودور رب المشروع هو رعايته والاهتمام به حتى ينمو ويحقق مبتغاه أو جزءا منه.

وأدنّا الكثير من المشاريع الجميلة، لأنها ببساطة لم تتح لها الفرصة للاختبار والتطوير. وظلت قابعة في صدور أربابها حتى اختنقت وماتت، والمبالغة في القلق من عدم نجاح مشاريعنا مرض يستوجب العلاج، لأننا لا يمكن أن نصنف هذا المشروع بأنه ناجح أو خلافه قبل أن يراه الناس ويلمسونه.

لدينا ”تويتر”، موقع التدوين المصغر، مثالٌ حي، وبدأ ”تويتر” في آذار (مارس) 2006، كخدمة للتواصل عبر الرسائل القصيرة (إس إم إس) بين مجموعة صغيرة، لكن كبر مع مرور الوقت، وتغيرت أدواته وملامحه شيئا فشيئا.

هاشتاق تويتر

إن أشهر عناصر نجاح ”تويتر” اليوم هو الوسم (الهاشتاق)، ولم يبتكر هذا الوسم موظفو ”تويتر”، إنما أحد مستخدمي ”تويتر”، وهو كريس ميسنا، في 23 آب (أغسطس) 2007، عندما اقترح أن يستخدم الهاشتاق كرمز يسبق اسم ملتقى لمجموعة. استحسن رفاقه الفكرة لأنها ستسهل عليهم البحث عن كل التغريدات التي تعنى بمناسبتهم. استنسخ آخرون الفكرة. نال الوسم شعبية كبيرة إلا أن القائمين على ”تويتر” ظلوا مقاومين له، غير مقتنعين بجدواه. لكنهم رضخوا في النهاية لهذا الاتجاه في تموز (يوليو) 2009 بعد تعاظم استخدامه، من خلال تفعيل الهايبر لينك (الارتباط التشعبي)، الذي يتيح للمستخدم بضغطة زر الوصول إلى كل التغريدات التي تخللتها العبارة المقطورة برمز الهاشتاق #.

لقد أصبح الوسم علامة فارقة في ”تويتر”، لا أعتقد أن أحدا يتخيل هذا الموقع بلا هذا الوسم الذي أكسبه ميزة كبيرة حتى يخيل للبعض بأن ”تويتر” انطلق بهذه الخاصية غير مدركين أن قياديي ”تويتر” قد قاوموه في البداية قبل أن يصبح رمزا وأيقونة أسهمت في انتشار الموقع وشعبيته الهائلة.

إن أي مشروع ضخم اليوم، لم يكن كذلك أمس، إنه نتيجة من العمل والتدرج الذي جعل منه بهذه الصورة والصيغة التي نشهدها ونشاهدها اليوم.

لذلك علينا أن نفخر بأفكارنا ومشاريعنا، ونطلق سراحها وندعها تكبر، ونتيح الفرصة للآخرين للاطلاع عليها ومساعدتنا على بنائها حتى تصبح مصدر فخرنا. لا يمكن للاعب أن يحرز كأس العالم في أول مباراة يلعبها، لكن عليه أن يظهر في أول مباراة يلعبها أو في بداياته أن لديه شيئا واعدا يجعله جديرا بنيل شرف اللعب مع الكبار وتحقيق نتائج مشرقة.

اكسروا حاجز الخوف وجربوا، فالتجارب وحدها هي التي تصنع منا ومن أعمالنا شيئا مثيرا للاهتمام. وتذكروا أن هذه الأشجار العملاقة كانت مجرد بذور صغيرة ندوسها، لكن عندما سقيناها ورويناها ارتفعت عاليا وأثمرت.

الأستاذ / عبدالله المغلوث

المصدر مدونة عبدالله المغلوث

http://almaghlooth.com/?p=222#more-222

About سلمان البحيري

كاتب أومن بالإختلاف و حرية التعبير من غير أن تمس الثوابت الدينية والوطنية وحقوق الآخرين .

Check Also

حكاية باب‬⁩!

لا أذكر الماضي بشكل جيّد، وليس لي «شجرة عائلة» تحدد نسبي! ‏لا أعرف ـ بالضبط ـ من أي شجرة أتيت.. ‏وبالكاد أتذكر رائحة أصابع النجار وهو يعمل بمهارة  لتحديد ملامحي النهائية. ‏كنت أظنني كرسيّاً.. دولاباً.. طاولة… شباكاً.. ‏لم يخطر ببالي أنني سأكون «باباً»! ‏  ‏حظي الرائع هو الذي أوصلني لكي أكون «الباب الرئيسي» لهذا المنزل الريفي الصغير في البداية كنت أنظر لسكانه بريبة وكانت خطوات الصغيرة «سارة» تـُشعرني بالرعب لأنني أعلم أنها ستنزع مقبضي بعنف – عند فتحي – وستجعل أطرافي ترتعد عند إغلاقي..وحدها«سيدة» المنزل ستعاتب «سارة» لتصرفها غير  المهذب معي فيما يكتفي«السيّد» بالضحكات العالية لشغب طفلتهما المدللة. …

بدايات الشغف

اقتربت أمي مني وهي تضع يدها على كتفي وتقول لي ،  أنصتي إلي نحن في …

اترك تعليقاً