كانت صدمتها قوية و هي تلقي نظرة على نتائج تحاليلها الطبية برفقة خطيبها، إكتشفا أنها مصابة بمرض مستعصي يستدعي سنوات من العلاج، فماكان من خطيبها إلا أن ألغى خطبته بها و غادر حياتها بحجة أنه غير قادر على تحمل تبعات معاناة المرض و مشاكله، و رغم كل الوعود التي قطعاها لبعضهما و كل المشاعر و اللحظات التي جمعتهما معا قرر أن يختار الفراق و الإبتعاد.
مضت أيام ليتصل بها المستشفى و يخبرها بأن خطأ قد حصل و أن نتائج تحاليلها سليمة ،و أنها لا تعاني من أي مرض يذكر،كانت فرحتها عارمة بذلك و عادت البسمة من جديد لمحياها ،فحملت الهاتف لتتصل بخطيبها السابق و تزف له الخبر، لتتوقف فجأة و تدرك أن الأمر لم يعد يستحق ،و أن الخطأ الطبي قد جاء ليصصح لها خطأ بحياتها.
و غير بعيد عن قصتها في هذا العالم البائس، كان يعيش شاب أجمل لحظات حياته العاطفية برفقة فتاة صادفته أعراض الحياة بها، صنعا معا عالمهما الخاص بكل روعة و جمال، و كان يهيم بها حباً و شعراً و أملا حتى ظنا أن الحياة ستقف عاجزة أمام تفريقهما، إلى أتى اليوم التي إقترح عليها الزواج، فخيل إليه لوهلة أن سؤاله كان مفتاح الصندوق المظلم بداخلها، جلس لساعات يسمع أحلامها المتطايرة عن العرس الخيالي و المنزل الفاره و حديثها المبهر عن مستوى العيش الذي سيعجز عن صنعه لها بعمله ذلك و راتبه المتواضع، أغلق الهاتف بعدها و إفترق الجمعان كأن شيئا لم يكن.
و بعدها بشهور تحقق حلمه بوظيفة أحسن و راتب أعلى فحمل هاتفه ليبشر رفيقته الراحلة و يشتري عودتها له بما زاد في رصيده المالي، ليستدرك هو الآخر الأمر و يدرك أن من لا نرقى لطموحهم المادي لا يرقون لطموحنا العاطفي وأن من لا يتقاسموننا نفس الرؤية لمفهوم الحب و الأسرة و الزواج، هو أناس لا يستحقون العيش برفقتنا.
و في كل مرة تحكي لي بعض الصديقات المهندسات أنه كلما تقرب من إحداهن أحد الشباب المرموقين و أخبرته أنها عاطلة عن العمل، إلا وإختفي من حياتها بقدرة قادر، و إختفى معه إهتمامه المتواصل بها ،وكلما حدث هذا إلا وحكت لي القصة كنكتة مضحكة تكشف زيف معدن الشريك المحتمل، الأمر لا يختلف كثيراً لدى الرجال أيضا كأن شباب اليوم يبحثون عن شريك مشروع تجاري ،لا عن شريك حياة عاطفية وأسرة مستقرة.
هي قصص تتكرر بإستمرار لتفضح فارق التصور والطموحات التي يحملها الطرفان، و لازلتُ و إلى اليوم، و بعد كل ما رأيت و سمعت و قرأت و بعد ما عايشت من أسر و أصدقاء أجدني عاجزا عن فهم فكر هؤلاء الأغبياء، من يجعلون من أمور مادية وعوامل متغيرة معياراً أساسياً ثابتاً للإختيار والإستمرار، كأن المصائر و الأرزاق هي معادلات ثابتة نستطيع أن نتحكم بها و نتنبأ بنتائجها ،ناسيين أن الحياة لا تدوم على حال، و أن غني اليوم قد يصير فقيرا غداً، و أن المعافى قد يزوره المرض في أية لحظة.
صحيح أن للحياة متطلباتها و صعابها، و لكني لاأفهم كيف يملك الناس حياة مستقرة فيتنازلون عن صفات الحب و الوفاء و الألفة في سبيل رفاهية مادية و تفاخر زائل، و كيف يتخلون عن التزاماتهم ويرمون بأحبتهم في منتصف الطريق لأسباب تافهة كهذه الأسباب.
قد لا أكون مؤهلاً للحديث عن حكمة الحياة ومصائرها و لكني أنصحك إن أنت مرة زرت إحدى جداتك أن تجالسها وتسألها عن خلاصة ما عايشته من تجارب،و تأكد أن لسان خبرتها سيقول لك : إن من يعجز عن فهم معنى الوفاء لايستحق أن تقاسمه الحياة ،مادام قد إختار أن يشاطرك حلوها فقط، لامُـرَّها.
كل هذا يحدث و العالم يتغني بعيد الحب في عصر جمع فيه الوفاء حقائبه و غادرنا إلى غير رجعة.
شاهد أيضاً
حكاية باب!
لا أذكر الماضي بشكل جيّد، وليس لي «شجرة عائلة» تحدد نسبي! لا أعرف ـ بالضبط ـ من أي شجرة أتيت.. وبالكاد أتذكر رائحة أصابع النجار وهو يعمل بمهارة لتحديد ملامحي النهائية. كنت أظنني كرسيّاً.. دولاباً.. طاولة… شباكاً.. لم يخطر ببالي أنني سأكون «باباً»! حظي الرائع هو الذي أوصلني لكي أكون «الباب الرئيسي» لهذا المنزل الريفي الصغير في البداية كنت أنظر لسكانه بريبة وكانت خطوات الصغيرة «سارة» تـُشعرني بالرعب لأنني أعلم أنها ستنزع مقبضي بعنف – عند فتحي – وستجعل أطرافي ترتعد عند إغلاقي..وحدها«سيدة» المنزل ستعاتب «سارة» لتصرفها غير المهذب معي فيما يكتفي«السيّد» بالضحكات العالية لشغب طفلتهما المدللة. …