من بعد وفاة زوجها هي تكون وحيدة في الظلام، وتشعر بالغربة في عتمة الليل يخيفها أحياناً أصواتُ مفزعة، كصوت أنين مريض تارة ونباح كلاب متقطع وصياح قطط تارة أخرى، فتطل من نافذتها بحذر فتفزعها العيون المتلألاة في الظلام، هي تتذكر زوجها وتشتاق وتعاني من وحدتها وتفكر في بناتها وأولادها الصغار وتطل عليهم في كل ليلة آخر الليل وتتذكر صوت زوجها الذي قد كان يؤنس وحشتها ويملأ يومها وليلها بكلامه الجميل حيث تعود أن يحدثها كل مساء فكان آخر ما تسمعه قبل أن تنام مع قبلة على جبينها وكان يضع في حجرتها الورود الحمراء والبيضاء وكان قد أحضر لها طيور كناري تغرد لتؤنس وحشتها حينما يكون في عمله أو سفره، أما اليوم فقد عادت وحيدة ،هي تدعي أنها أحياناً قد نسته وقد مر بضع سنوات على وفاته و لكن مستحيل فبينه وبينها عشرة طويلة وقد أثمرت عن بنات وأولاد رائعين، هل حقا لا تبالي؟!،أم أن بداخلها تتألم وتحترق هي تريد أن تبكي في كل لحظة، و لكنها تتماسك و تخشى الهزيمة،هي تود لو أنها تستطيع بأن تتسلل له ليلاً، في قبره لتطمئن عليه وتقبل جبينه وتشبع عيناها بالنظر إليه حتى تكتفي منه ثم تعود لبيتها في صمت ،ولكنها تعلم بداخلها أنها لن تكتفي أبدا وأن ذلك مستحيل فقد تحول رفاتاً، و أن قلبها المسكين قد اقتنع برؤيته في الحلم وأحياناً يحدثها فيه أو أن تحدثه، فربما رد عليها أو لم يرد ولكنه تعلم بأنها ستراه في الحلم حينما تكثر له في الدعاء وتتصدق عنه صدقة جارية ،ولقد رفضت الزواج من بعده برغم جمالها وأنوثتها وتفرغت لتربية أبنائها وتدعو الله بأن يجمعها به وأولادهم في جنات النعيم،فلا تستغربوا لإنه الحب والوفاء حتى بعد الموت لزوجها الراحل بجسده الباقي معها بروحه.
سلمان محمد البحيري