نحمد الله على أنه قد خلقنا بشراً ولم يخلقنا ملائكة أو شياطين، حيث نخطئ ونصيب ونسقط وننهض ونذنب ونستغفر، فالله قد جعل لنا خيارات في الأضداد في الحياة الدنيا بحيث بين لنا الخير والشر والصدق والكذب والفشل والنجاح ولكن البعض لايقدر ذلك ، ويريد العيش في حياة ملائكية مثالية وننصب أنفسنا حكاماً على الآخرين ليكونوا كذلك ،وننسى بأننا لو لم نعرف الشر لما عرفنا الخير، وعندما أقول هذا الكلام فهذا لا يعني بأنني اشجع على الشر والتطرف ،ولكن رأيي هو التأمل والاعتبار تلك الأضداد التي تحملها نفوسنا مثل الخير والشر والوفاء والغدر والتسامح والإنتقام والقناعة وعدم الرضا والطيبة والخبث والذكاء و التغابي والكره والحب والأمل واليأس والكذب والصدق ، لذلك لابد بأن نتفاعل مع الحياة بهذه الأمور التي أودعها لله فينا في بعض الظروف، فمثلا أحيانا نضطر بأن نكذب لأجل أن نصلح مابين أثنين ؟أو حتى نتفادى ضرراً كبيراً أو مفسدة مدمرة، فالله لم يخلقنا ملائكيين ولكن بشراً نخطئ ونصيب ونذنب ونستغفر ولسنا مثاليين ، فمنذ تكون البشرية في هذا العالم وعندما خلق الله أبانا آدم وبسبب غواية إبليس له ثم خروجه من الجنة ثم استغفر أبونا آدم وتاب ،لذلك نجد بأن الخطيئة والغواية موجودة في جيناتنا الوراثية كذرية لآدم والله يريدنا بأن نخطئ ونستغفر فلذلك خلق الله آدم لقوله تعالى ” وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلَائِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً ۖ قَالُوا أَتَجْعَلُ فِيهَا مَن يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاءَ وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ ۖ قَالَ إِنِّي أَعْلَمُ مَا لَا تَعْلَمُونَ (30) وَعَلَّمَ آدَمَ الْأَسْمَاءَ كُلَّهَا ثُمَّ عَرَضَهُمْ عَلَى الْمَلَائِكَةِ فَقَالَ أَنبِئُونِي بِأَسْمَاءِ هَٰؤُلَاءِ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ (31) قَالُوا سُبْحَانَكَ لَا عِلْمَ لَنَا إِلَّا مَا عَلَّمْتَنَا ۖ إِنَّكَ أَنتَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ (32) قَالَ يَا آدَمُ أَنبِئْهُم بِأَسْمَائِهِمْ ۖ فَلَمَّا أَنبَأَهُم بِأَسْمَائِهِمْ قَالَ أَلَمْ أَقُل لَّكُمْ إِنِّي أَعْلَمُ غَيْبَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَأَعْلَمُ مَا تُبْدُونَ وَمَا كُنتُمْ تَكْتُمُونَ (33) وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلَائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ أَبَىٰ وَاسْتَكْبَرَ وَكَانَ مِنَ الْكَافِرِينَ (34) وَقُلْنَا يَا آدَمُ اسْكُنْ أَنتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ وَكُلَا مِنْهَا رَغَدًا حَيْثُ شِئْتُمَا وَلَا تَقْرَبَا هَذِهِ الشَّجَرَةَ فَتَكُونَا مِنَ الظَّالِمِينَ (35) فَأَزَلَّهُمَا الشَّيْطَانُ عَنْهَا فَأَخْرَجَهُمَا مِمَّا كَانَا فِيهِ ۖ وَقُلْنَا اهْبِطُوا بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ ۖ وَلَكُمْ فِي الْأَرْضِ مُسْتَقَرٌّ وَمَتَاعٌ إِلَى حين(36) فَتَلَقَّىٰ آدَمُ مِن رَّبِّهِ كَلِمَاتٍ فَتَابَ عَلَيْهِ ۚ إِنَّهُ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ (37) و عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ ، قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ” لَوْ لَمْ تَكُونُوا تُذْنِبُونَ ، خَشِيتُ عَلَيْكُمْ مَا هُوَ أَكْبَرُ مِنْ ذَلِكَ ، الْعُجْبَ الْعُجْبَ ” وقال الرسول صلى الله عليه وسلم: “والذي نفسي بيده لو لم تذنبوا لذهب الله بكم و لجاء بقوم غيركم يذنبون فيستغفرون الله فيغفر لهم “،فلذلك قد بعث الله الأنبياء وأنزل الكتب عقود بعد عقود من الزمن لكي يصلوا بالبشرية إلى معرفة أن لا إله إلا الله وأن هناك حساباً وجنة وناراً ومعرفة الخير والشر فالإنسان أصله بشر قد استخلفه الله في الأرض فليس ملاكاً وليس شيطاناً وليس قرداً كما يقول دارون ، فالبعض يعيش تناقضاً وإزدواجية العيش بالخير والشر، فأنا لا أرغب في العيش في حياة ملائكية مثالية كما لا يعني هذا بأنني أعيش في حياة شيطانية ولكن أنا إنسان أعيش بما أشعر به وأريد بأن أتنفس خطئي وصوابي ومعصيتي وتوبتي وفشلي ونجاحي ألست بشراً ؟، و ما أقصده بأن نحيا متفاعلين مع ما يجري في هذه الحياة لأننا لسنا كاملين والكمال لله ،وأن لا نتوارى خلف مظهر التقى والورع والقيم الذي نظهره للناس وندعي بأننا ملائكة طوال الوقت حتى نموت ، فإن هذا يجعلنا نعيش في حالة انفصام في الشخصية فلا صرنا ملائكة ولا شياطين و لا صرنا بشراً،لذلك أنا أحترمك إذا عبرت لي عن ماتحمله بداخلك من نقص وضعف ،ولا تظهر لي بمظهر الإنسان الكامل البريء والحمل والوديع وأنت من الداخل ذئب تجاوز خبثه خبث إبليس ، فلذلك لا تكن من الذين يدعون الطهر والنقاء والعفة في نفوسهم، وهم في أنفسهم الشر الدفين إذا لم يكن يراهم أحد أو سافروا في مكان ما لا يعرفهم فيه أحد ،فمثل هؤلاء يتاجرون بهذه القيم ، لأجل خداع الناس، عَنْ ثَوْبَانَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ: (( لَأَعْلَمَنَّ أَقْوَامًا مِنْ أُمَّتِي يَأْتُونَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ بِحَسَنَاتٍ أَمْثَالِ جِبَالِ تِهَامَةَ بِيضًا، فَيَجْعَلُهَا اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ هَبَاءً مَنْثُورًا، قَالَ ثَوْبَانُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، صِفْهُمْ لَنَا، جَلِّهِمْ لَنَا، أَنْ لَا نَكُونَ مِنْهُمْ وَنَحْنُ لَا نَعْلَمُ، قَالَ: أَمَا إِنَّهُمْ إِخْوَانُكُمْ، وَمِنْ جِلْدَتِكُمْ، وَيَأْخُذُونَ مِنْ اللَّيْلِ كَمَا تَأْخُذُونَ، وَلَكِنَّهُمْ أَقْوَامٌ إِذَا خَلَوْا بِمَحَارِمِ اللَّهِ انْتَهَكُوهَا )) وهناك أمثلة على التناقض وذلك حينما تكون في محل القضاء وتستخدم نفوذك لأجل تطليق زوجة من زوجها ولكي أن تتزوجها ،وكذلك قمة التناقض حينما تكون قاضياً و تأتيك أراض وتشترط لكي تخرج لها صكوك بأن تأخذ أرضاً منها أو مبلغاً كبيراً ، والتناقض هو عندما تظهر التقى والورع للناس وذلك لأجل أن تخدعهم بدخول المساهمة، لكي تستولي على أموالهم ثم تعلن إفلاسك وتخرج صك إعسار ،و التناقض أيضا كذلك هو عندما تلاحق زوجة جارك الحسناء بحجة غياب زوجها عنها أو إساءته لها وتقنعها بأن دينك ورجولتك تحتم عليك حمايتها وأنت تدعوها لخيانة زوجها معك ؟!!!، وقمة التناقض هو عندما تفشل مرأة في عدة زواجات ثم تنتقد أختها على إهمال زوجها لها وتقول لها ” لو أنا كنت مكانك كان هبلت فيه وخليته يدور على نفسه ” وقمة التناقض هو عندما لايتحمل الرجل مسؤوليات الحياة الزوجية ولا يقدر الحياة الزوجية ، وتجده ينتقد زوج أخته لإنه إنسان مهمل لبيته و غبي ،وقمة التناقض حينما تتعرض مرأة للاضطهاد من زوجها وتكون صابرة عليه لأجل الأطفال، ومن ناحية أخرى تجدها تنصح أختها إذا حدث خلاف بسيط بينها وبين زوجها بأن تأخذ كافة حقوقها بالطرق المشروعة والغير مشروعة ولا تترك له فرصة ،” كل ذلك فقط لأجل أن لا تكون الشقية وحدها في حياتها الزوجية” لذلك ما أكثر مدعي الطهر والطيبة والنقاء وهذا ما أكرهه، فإذا أبتليت بالعشق فلست أتقى من النبي يوسف الصديق عليه السلام ،وإذا عصيتِ الله فلا تقنطي من رحمة الله فلست في تقى عائشة الصديق أو زبيدة زوجة هارون الرشيد أو رابعة العدوية فالمهم أن يعرف الشخص بأنه قد أخطأ ويتوب، لأن الله غفور رحيم ،لذلك لاتحكم على بعض الذين يتفاخرون بالتقى وبأعمالهم الصالحة ويحتقرون من هم أقل منهم بأنهم قدوة ، فالله لا يقبل بمن يمن عليه بالعبادة أو من دخل عمله رياء وسمعة ولا تحكم على هذا العاصي بأنه مغضوب عليه وسيدخل النار، فربما هو افضل منك عند الله ، لذلك كن كما أنت تطمح وتتوق له من رقي وسمو بكل مافيك من العيوب والميزات ولا تجلد ذاتك واصفح عنها لأنك بشر، وسيحترمك الآخرون .
همسة
يقول دانييل كارنيغي : “جِد نفسك ، وكُن نفسك ، ولا تكُن مثل أحدِ غيرك”.
سلمان بن محمد البحيري