عشوائية التصوير بعدسة عارية

في بعض المواقف الإنسانية التى نشهدها في الحياة لأناس نصادفهم بطريقنا؛ ننسي أولوياتنا لتحل محلها الأهميات ونبدأ لإتخاذ مواقف حازمة حتي لو كانت صعبة. فالمواقف الصعبة تظهر المعادن والسمات البطولية لكل شخص ثم قرارتة تُبين أسلوبة وتفكيرة. فالبعض منا ينجح في إثبات كفائتة والبعض الآخر يفشل ويظهر ذلك جلياً في مواقفه وسلوكه لِيتجرد من إنسانيتة ويكتفي بِمراقبة مجريات الأمور من عدسة صغيرة عارية يري فيها سبقاً لنشر الحدث أكثر من التفكير بالإشتراك لمعالجتة في ذات الوقت.

بوقتنا الحاضر كَثُرَ التصوير العشوائي في مجتمعنا حتي أصبح ظاهرة مبالغ فيها جداً لا يحكمها قانون حتى عُدمِت الخصوصية بالتصوير وتحولت من ظاهرة إلى كارثة لا يُراعِي بها المصور نفسيه الضحية ولا خصوصيتها. فالتصوير في الدُول الأجنبية تحكمه قواعد وقوانين يعرفها كل من إقتني هاتف ذكي. أولها وهو أهمها عدم إنتهاك الخصوصية وذلك بإحترام خصوصية الأخرين عند إستخدام كاميرا الجوال في الأماكن العامة. وإضافة إلى ذلك، عند التصوير في مكان عام يفترض السؤال للحصول على إذن قبل أخذ أي صورة او تسجيل أي فيديو. عموماً إضافة إلى إستخدامهم التصوير لتوثيق الأحداث العائلية والإجتماعية والرحلات فـ هم أيضاً يحرصون على تصوير الملاحظات المهمة في المحاضرات و تصوير بعض الأحتياجات الهامة للإستفسار عنها عند السفر في بلدان أخري وغيرها من الإستخدامات المفيدة.

مُبالغة الناس في الإقبال على مشاهدة مقاطع وصور التصوير العشوائي أعطي البعض حافز كبير لِتصوير أي حدث، موقف، أو أي شئ يحدث أمامه سواء كان ذلك مريباً أو طبيعي و حتى لو كان غير هادف على حساب سمعة شخص آخر. وكلما كَثُر رواج القصص البطولية للمصورين المنتهكين حرمة البعض كلما زادت نسبة التصوير العشوائي بدافع السبق في نشر الحدث . فإساءة إستخدام هذه التقنية الحديثة بمجتمعنا جعل منها في بعض الأحيان ضارة أكثر من أنها مفيدة. وللمصور بحد ذاته قد تتحول هذه المقاطع من سبباً لشهرتة إلى كارثة على راسه. مثل ما حدث مع مصور الطفل الباكي الذي وثق تهكُمِه على الطالب بنفسه مما أدي إلى تحويله للتحقيق.

مؤخرا فقد ظهرت مقاطع كثيرة للشجارات في الأماكن العامة، المدارس، والأسواق؛ مقاطع لحوادث سيارات؛ ومقاطع تظهر البعض بـ مشكلة كبيرة في الكوارث الطبيعية. ومايؤلم بهذه المقاطع هو إنشغال المصور بتصوير حدثٍ كان يلزم تدخله لِيحِد من خطورتة أكثر من توثيق الحدث بكاميرة جوالة. وكأن النخوة باتت معدومة مثل مُصوِر مشاجرة المراءة المنقبة بجدة. فهو مقطع أظهر حجم التخلف الذي يعاني منه مجتمعنا، وقلة نخوة المتفرجين، وتفاهة مصور عديم غيرة إشتغل بالتصوير لنشر الحادثة وكان الأولى منه أن يمنع مد اليد والسباب والشتائم قبل أن يفكر بتوثيق ذلك بجوالة.

وإستخدام هذه التقنية الحديثة بإيجابية بمجتمعنا نادر جداً، وثمة قصص معدودة نُشِرت تعتبر ذات أهمية وفائدة للمجتمع. كـ الصور التى نُشرت عبر وسائل التواصل الإجتماعي عن الجاني في قضية طعن فتاة بجدة، فقد وجة المصور كاميرا جوالة هذه المرة للجاني وقام بتصويره شخصياً وتصوير لوحة سيارتة لتسهيل القبض عليه. فهي حالة نادرة جداً تغيرت فيها أهداف عدسة المصور من تصوير الحدث والمجني عليه لتصوير الجاني لإدانته وعقابه. فهو حقاً نموذح يُحتذي به.

مايراد بهذه التدوينة هو لفت الإنتباه إلى أن هناك مواقف كثيرة نحن لا نحتاج فيها لعدسة الجوال بقدر ما نحتاج لشيئ أكبر من ذلك. فـ نحن نحتاج للإنسانية والنظرة الثاقبة للمصور بالتعامل مع الحدث بكل مروءة ونخوة وأدمية أكثر من نظرة ثاقبة من خلال عدسة الجوال.

الكاتبه/ هاجر هوساوي

مدونة هاجر هوساوي

http://hajarhawsawi.blogspot.com/2015/04/blog-post_22.html?m=1

 

عن سلمان البحيري

كاتب أومن بالإختلاف و حرية التعبير من غير أن تمس الثوابت الدينية والوطنية وحقوق الآخرين .

شاهد أيضاً

حكاية باب‬⁩!

لا أذكر الماضي بشكل جيّد، وليس لي «شجرة عائلة» تحدد نسبي! ‏لا أعرف ـ بالضبط ـ من أي شجرة أتيت.. ‏وبالكاد أتذكر رائحة أصابع النجار وهو يعمل بمهارة  لتحديد ملامحي النهائية. ‏كنت أظنني كرسيّاً.. دولاباً.. طاولة… شباكاً.. ‏لم يخطر ببالي أنني سأكون «باباً»! ‏  ‏حظي الرائع هو الذي أوصلني لكي أكون «الباب الرئيسي» لهذا المنزل الريفي الصغير في البداية كنت أنظر لسكانه بريبة وكانت خطوات الصغيرة «سارة» تـُشعرني بالرعب لأنني أعلم أنها ستنزع مقبضي بعنف – عند فتحي – وستجعل أطرافي ترتعد عند إغلاقي..وحدها«سيدة» المنزل ستعاتب «سارة» لتصرفها غير  المهذب معي فيما يكتفي«السيّد» بالضحكات العالية لشغب طفلتهما المدللة. …

بدايات الشغف

اقتربت أمي مني وهي تضع يدها على كتفي وتقول لي ،  أنصتي إلي نحن في …