إن فكرة جمع عدد من الموظفين في مكان واحد لكي تتم مراقبة سلوكياتهم ومتابعة شئونهم ذلك لايكون عملاً إداريا ناجحاً في الأجهزة الحكومية والشركات والمؤسسات في القطاع الخاص، وأعتقد بأن ذلك يشبه عمل مستشفيات الأمراض النفسية او مصحات المجانين والمدمنين أو مصلحة السجون ،لأن بعض المسؤولين قد نسي بأن هذه الأجهزة الحكومية والمؤسسات والمنشآت والشركات تقوم على إنجاز أهداف ما،ويكون جمع الموظفين في موقع لمتابعة شؤونهم ليكون بيئة مناسبة ومحفزة على الانتاج ولكن بشرط أن يتم تطوير العمل وتطوير قدرات الموظفين وتحفيزهم ليكونوا مبدعين ومنتجين،ولكن بعض الإداريين ينشغلون بأمور هامشية وذلك عندما يقوموا بتسيير شئون الموظفين بطريقة تقليدية ويقتلون العمل والطموح بالبيروقراطية ويكون همهم نظام البصمة ولا يكتفون بذلك وبل ايضا ببيان لأجل إثبات الحضور والانصراف لذا تستنزف من الميزانية العامة مبالغ طائلة على أن هناك مجموعة من الموظفين يؤمون هذا الموقع ليبدأ العمل اليومي في الصباح الباكر وتوفير الاوراق والملفات والأقلام والأدوات المكتبية لهم،واستقبال طلباتهم في الإجازات والانتقالات والمشتريات ومعاقبتهم على التأخير والغياب والتسرب وعصيان أوامر المسئولين،فإذا أصبحت الساعة الواحدة والنصف لملموا جوالاتهم ونظاراتهم ومفاتيح سياراتهم بعد ان شارك بعضهم بشيء من النميمة والغيبة والدسائس والمكائد،وأما الرؤساء فهمهم المنافسة على الحصول على سيارات ومكاتب جديدة سنويا وانتدابات وخارج دوام ومكافآت شهرياً وأخذ الجرائد معهم،ويتوجهون إلى بيوتهم في انتظار يوم عمل جديد من الغد وهذه النوعية من المسؤولين همهم يتابعون حركة الموظفين عند دخولهم الموقع صباحاً وخروجهم منه ظهراً” الحضور والإنصراف”ويسعدهم وقع أقدام الموظفين على السلالم وفي المصاعد الالكترونية وأصوات محركات سياراتهم في مواقف السيارات فهذا يشعر هؤلاء المسؤولين أن موقع العمل خلية نحل نشيطة،وأَن إداراتهم ناجحة لا تأخر فيها ولا لعب،إنهم بحق إداريين أفذاذ!!!وغفلوا عن كيفية إنجاز العمل وتطويره وستجد هذه النوعية من الإداريين يهتمون فقط بمسألة الحضور والانصراف أكثر من الإنتاجية، فهو يمكن أن يمرر أخطاء وتقصير الموظف في إنجاز العمل لكنه لن يسامحه لو تاخر لدقائق في الصباح،وفي رأي بأن السبب لهذا هو لوجود إرث ثقافي قديم منذالصغر،حينما كنّا في المدارس واستحضار صورة طوابير الطلاب صباحاً وهم يتسارعون في الدخول للمدرسة ويكون هناك رجل يسمى المدير وفي يده عصا غليظة ويزبد ويرعد بصوت مخيف،ويتحين الفرصة ليصطاد فلول الطلاب المتأخرين عن الساعة السابعة ولو بدقيقة واحدة ليعاقبهم بالضرب ،فهذه الصورة النمطية قد تكونت لدى الكثيرين لترتبط في الذهن بمسألة النظام والعمل،لأن في تلك الفترة لم يكن هناك كمبيوتر و وسائل اتصال متطورة مثل الإيميل أو وسائل المحادثة الإلكترونية،وأجهزة مثل المحمول واللابتوب ولكن الان هذه الوسائل تجعل الوصول إلى الموظف صاحب العلاقة أمر سهلاً جدا دون الحاجة لربطه في مكان محدد،فبعد الثورة الإلكترونية الحديثة اصبح الامر سهلا على المؤسسة بإلاتصال على الموظف بطرق مختلفة،في وظائف مثل التصميم والتخطيط والتسويق والمحاسبة والإحصاء وقياس الأداء،بل وحتى الإشراف والإدارة العليا،على عكس الموظف في السنوات السابقة،فهو كان ملزم بالحضور صباحاً ويقاس عمله بتواجده في مكتبه ليستقبل المراجعين والمعاملات والانصراف مساء بعد أداء العمل، وليس هناك خيار بديل أفضل من هذا وأما طبيعة هذا العمل التقليدي بالحضور والانصراف بوقت معين فهي مناسبة فقط في اعمال الحراسة والمراقبة فلابد من الانضباط من خلال مسالة الحضور اوالانصراف في وقت معين، فالعمل يجب بأن يتطور ويصبح إلكترونياً لكي يتوافق مع مايسمى بالحكومة الالكترونية و ليس فقط بخدمة المراجع وهو في منزله عن طريق موقع الكتروني لكل جهة حكومية،ولكن أيضاً لابد من تطبيق ذلك بان يكون عمل الموظف في منزله ولقد تنبه لذلك بعض اصحاب الشركات المتطورة بعصرنا الحاضر بيعض الدول المتحضرة فأبتكروا فكرة العمل من المنزل والعمل عن بعد عن طريق الشبكات الخاصة أو شبكة الإنترنت،ولو دققنا النظر جيداً في هذا العمل بهذه الطريقة فإنا سنرى أن المطلوب من الموظف هو فقط الإنتاجية بجودة عالية وربما سأل أحد كيف تتم الإجتماعات والمقابلات والإستعلامات واقول هو أن يتم تنظيم هذه الاجتماعات والمقابلات بتواريخ محددة ليحضرها الموظف في وقتها فقط،أما الاستعلامات فيكتفى برسائل sms تصل للمستفيد،ولم يبق إلا الإنتاجية والجودة وهذه لها معايير لقياسها بالإنجاز وليس من خلال الحضور والانصراف، فلا يكون هم المسؤول هو تصيد الأخطاء على الموظفين ومراقبتهم بالاتصال أحياناً وإرسال من ينظر اليهم أحياناً أخرى هل هم على مكاتبهم أم لا؟!!!فهذا أسلوب في الادارة قديم وعقيم ودليل على التخلف ومدى إنحراف عن الهدف العام للمؤسسة وانشغال هذا المسؤول بقشور الصلاحيات الإدارية التي شرعت أساساً لخدمة الموظف ودفعه للإنتاج والعطاء حتى لو تضمنت بشكل طبيعي بعض الإجراءات الوقائية التي تحمي مصلحة العمل،وليست لأجل عقاب الموظف فقط،فهذا المسؤول قد غفل أو تغافل عن أن الموظف هو القيمة العليا في العمل والتي يفترض أن يراهن عليها هذا المسؤول أو المدير،هذا بالطبع في المنظور الإسلامي الأخلاقي للعمل،وهو ما بدأت تنتهجه المؤسسات الغربية في سياسات مؤسساتها،وتركناه نحن المسلمون مع الأسف،وقبل الختام أنا لا أدعو إلى التسيب والفوضى وترك الحبل على الغارب في العمل،ولكن لابد من رؤية وتخطيط،وأن يعاد النظر العمل في المؤسسات بالقطاع العام والخاص لأجل مسألة تطوير العمل والإنتاجية التي هي الهدف الأساسي لأي عمل وليس فقط تقديس اللوائح الإدارية الروتينية دون شعور الموظف بتطوير قدراته و بروح المصلحة العامة،وأدعو للإستفادة من الثورة الالكترونية في العمل وليس فقط في الترفيه،وأن يتم تجربة ذلك في أحدي الأجهزة الحكومية فإذا نجحت،يتم تعميمها على كافة مؤسسات الدولة.
سلمان محمد البحيري
شاهد أيضاً
حكاية باب!
لا أذكر الماضي بشكل جيّد، وليس لي «شجرة عائلة» تحدد نسبي! لا أعرف ـ بالضبط ـ من أي شجرة أتيت.. وبالكاد أتذكر رائحة أصابع النجار وهو يعمل بمهارة لتحديد ملامحي النهائية. كنت أظنني كرسيّاً.. دولاباً.. طاولة… شباكاً.. لم يخطر ببالي أنني سأكون «باباً»! حظي الرائع هو الذي أوصلني لكي أكون «الباب الرئيسي» لهذا المنزل الريفي الصغير في البداية كنت أنظر لسكانه بريبة وكانت خطوات الصغيرة «سارة» تـُشعرني بالرعب لأنني أعلم أنها ستنزع مقبضي بعنف – عند فتحي – وستجعل أطرافي ترتعد عند إغلاقي..وحدها«سيدة» المنزل ستعاتب «سارة» لتصرفها غير المهذب معي فيما يكتفي«السيّد» بالضحكات العالية لشغب طفلتهما المدللة. …