إذا أردت أن تشعر بجمال الحياة ، فعليك بالبعد عن التكلف والبعد عن الماديات وتقييم الآخرين على حسب ذلك واستبدال ذلك بالعيش البسيط ،يعني ألا تكون سعادتنا وصحّتنا ورضانا الذاتي نابعة من ممتلكات مادية وحب المظاهر و قد لا نستطيع الحفاظ عليها أو حتى امتلاكها في الأصل،إنه يعني بطريقة أو بأخرى التخلّي عن أن يكون الهم هو الحصول على الأحلام المادية الكبيرة من قصور فخمة وسيارات فارهة وحفلات باذخة والتعلق بالماركات وبالموضة ومايسمى الآن بصرعة الفاشينستا والمفاخرة بذلك، واستبدالها بحياة أكثر إنسانية وعملية وحقيقية كالعلاقات العميقة مع الآخرين، والعيش الهادىء الخالي من التوتر، وممارسة الهوايات الممتعة والحرف والمشاريع اليدوية والفنية والفكرية التي تسعد الروح والجسد على السواء، والأهداف الحياتية السامية كمساعدة الآخرين أو إعادة الحياة لأرض قد هجرناها وفي حديث عن عثمان بن عفان -رضي الله عنه-: أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: «ليس لابن آدم حقٌّ في سِوَى هذه الخِصال: بيتٌ يسكنُه، وثوبٌ يُواري عَوْرتَه، وجِلْفُ الخُبزِ والماء»وفي حديث آخر عن عبيد اللَّه بِن مِحْصَنٍ الأَنْصارِيِّ الخَطْمِيِّ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّه ﷺ: مَنْ أَصبح مِنكُمْ آمِنًا في سِرْبِهِ، مُعَافًى في جَسدِه، عِندهُ قُوتُ يَومِهِ، فَكَأَنَّمَا حِيزَتْ لَهُ الدُّنْيَا بِحذافِيرِها رواه الترمذي وقال: حديثٌ حسنٌ ،إذا فهذه هي الضروريات في الحياة، واربطوا الحديث الأول بالحديث الثاني ،فالبيت هو للسكن، والسكن من السكينة، الشعور بالراحة النفسية،والاطمئنان، وهذا الشيء لايرتبط ابدًا بالدرجة المادية للبيت،السكينة لا تأتي من الفخامة بل حقًا من البساطة،وأما الثوب فهو لنواري به عوراتنا،وهذا لاينفي التجمل في اللباس، لكنه لايجعله هو الغاية، لذا فالماركات لم تعد مهمة هنا، والموضة كذلك، وأما جلف الخبز والماء، ربما لن نتوقف طويلًا حول كلمة جلف، فهي تعبير بمعنى خشن ، لكن المعنى موجود في الحديث الثاني : قوت اليوم ونعمة الأمن والأمان في المجتمع، هي واحدة من أبرز النعم، التي يفتقدها الكثير و يغفل الكثيرون عن تقديرها، وهي التي تعطي للإنسان المجال في القدرة على التحرك للإنتاج والإبداع والعمل، وأما العافية والصحة، أي أن يملك الإنسان القدرة على تأمينها، والمحافظة على جسده بأقوى حالته إذاً هي” مسكن، لباس، طعام، شراب، صحة” فهذه هي ضروريات الحياة، يجب أن نعمل على تأمينها بأبسط الأشكال وبدون تكلف ، كي نتجه بعد ذلك لمجالات الحياة في العطاء والعمل والإبداع ولكن أن تتمحور كل حياتنا حول تأمين أفخر المساكن، وأغلى الألبسة، وأنواع الأطعمة، وأغلى السيارات ثم لا نترك أثرًا في حياتنا، فهذه هي الحياة الدنيا التي قد حذرنا القرآن دومًا من الافتتان بزينتها وجعلها هدفاً من الكماليات المزيفة.
سلمان محمد البحيري