البعض يستهين بأجر بر الوالدين أو بعقوقهما، ولم يدركوا بأنهما مصدر سعادتهم و جنتهم أو نارهم ؟! قال الرسول صلى الله عليه وسلم” الوالد أوسط أبواب الجنة فاحفظ البيت إن شئت أو ضيع ” وقال بعض السلف الصالح : “من أبواب الجنة باب الوالد أي الوالدين وهذا الباب قد يدعى أناس عليه يوم القيامة أن أدخلوا من هذا الباب فيدخلون الجنة عن طريق هذا الباب”. وفي بعض الأحاديث أيضاً عن بر الوالدين منها ماروي عن عبدالله بن عمر رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لرجل استأذنه في الجهاد:” أحي والداك ؟ قال : نعم قال: ففيهما فجاهد” ،وعن عبد الله ابن مسعود رضي الله عنه قال : سألت النبي صلى الله عليه وسلم أي العمل أحب إلى الله فقال صلى الله عليه وسلم” الصلاة على وقتها، قلت ثم أي قال بر الوالدين، قلت ثم أي، قال الجهاد في سبيل الله “.
أما سمعتم بخبر أويس القرني؟! فقد سبق بره بوالدته زمانه هذا الرجل هو الرجل الوحيد الذي زكاه النبي صلى الله عليه وسلم وهو من التابعين والرسول لم يره وهو لم يرى الرسول قال النبي صلى الله عليه وسلم للصحابة : (يأتيكم أويس ابن عامر من اليمن كان به برص فدعى الله فأذهبه أذهب الله عنه هذا المرض كان له أم كان هو بها بر، يا عمر إذا رأيته فمره يستغفر لك )، وفي لفظ آخر قال عنه النبي صلى الله عليه وسلم عن أويس القرني ( لو أقسم على الله لأبره ) لماذا أويس حصل على هذه المنزلة؟!
قال العلماء لأنه كان باراً بوالدته المهم جاء يوم من الأيام ودخل الحج فكان عمر رضي الله عنه حريص على أن يقابل هذا الرجل أويس،فجاء وفد من اليمن فقال عمر رضي الله عنه: أفيكم أويس ابن عامر فجاء أويس رجل متواضع من عامة الناس قال أنت أويس ابن عامر قال : نعم . قال : كان بك برص فدعوت الله فأذهبه ؟ قال : نعم قال : استغفر لي !
قال : يا عمر أنت خليفة المسلمين !! قال : إن النبي صلى الله عليه وسلم قال وذكر قصته، فأويس استغفر له فلما انتشر الخبر أمام الناس اختفى عنهم وذهب حتى لا يصيبه العجب أو الثناء فيحبط عمله عند الله عزوجل ، فأويس ابن عامر ما نال هذه المنزلة بحيث أنه لو أقسم على الله لأبره إلا ببره بوالدته رحمه الله.
وهذا الإمام الذهبى رحمه الله لم يرحل في طلب العلم براً بأمه يعني ما خرج من مدينته التي هو فيها لأن والدته قالت : “لا تخرج” فبقي يطلب العلم في هذه المدينة حتى ماتت ثم سافر وقال : “أردت الخروج للعلم فرفضت أمي فأطعتها فبورك لي في ذلك”.
وحينما طلب موسى عليه السلام يوما من الله عز وجل أثناء مناجاته بأن يريه جليسه بالجنة في هذه الدنيا فأتاه جبرائيل على الحال وقال:يا موسى جليسك هو الجزار الفلاني،الساكن في المحلة الفلانية ذهب موسى عليه السلام إلى دكان الجزار فرآه شابا يشبه الحارس الليلي وهو مشغول ببيع اللحم بقي موسى عليه السلام مراقبا لأعماله من قريب ليرى عمله لعله يشخص ما يفعله ذلك الجزار لكنه لم يشاهد شيئاً غريباً و لما جن الليل أخذ الجزار مقداراً من اللحم وذهب به إلى منزله،ذهب موسى عليه السلام خلفه وطلب موسى عليه السلام ضيافته الليلة بدون أن يعرّف بنفسه ،فاستقبله بصدر رحب وأدخله البيت بأدب كامل وبقى موسى يراقبه فرأى عليه السلام أن هذا الشاب قام بتهيئة الطعام وأنزل زنبيلاً ًكان معلقا في السقف وأخرج منه عجوزاً كهلة غسلها وأبدل ملابسها وأطعمها بيديه وبعد أن أكمل إطعامها أعادها إلى مكانها الأول ،فشاهد موسى أن الأم تلفظ بكلمات غير مفهومه ثم أدى الشاب أصول الضيافة وأحضر الطعام وبدأوا بتناول الطعام سوياً سأل موسى عليه السلام الجزار من هذه العجوز ؟ فأجاب : هي أمي أنا أقوم بخدمتها سأل عليه السلام : وماذا قالت أمك بلغتها؟! أجاب : كل وقت أخدمها تقول :غفر الله لك وجعلك جليس موسى يوم القيامة في قبته ودرجته فقال عليه السلام : ياشاب أنا النبي موسى أبشرك أن الله تعالى قد استجاب دعوة أمك رجوته أن يريني جليسي في الجنه فكنت أنت المعرف وراقبت أعمالك ولم أر منك سوى تجليلك لأمك واحترامك وإحسانك إليها وهذا جزاء الإحسان للوالدين.
وسأتكلم عن قصتين تتعلق بالعقوق وهي ليست من الخيال ولكنها مع الأسف من خلال الواقع وهناك قصص كثيرة تشهدها بعض المحاكم والمستشفيات ودار العجزة ،كان هناك رجل ليس كبيراً جداً في السن عمره 70 سنه يسكن في بيته مع زوجته التي عمرها في حدود 60سنه ولكن حالتهما الصحية قد ضعفت حيث بدآ يعانينان من السكر والضغظ وضعف النظر ولكنهما يستطيعان المشي بحيث يستطيعان دخول دورة المياه بنفسيهما وكان لديهما من الأبناء أربعة وبنت والأبناء قام الوالد بتزويجهم وأسكنهم في نفس البيت معه ولكن كانت زوجات أبنائه قد تضايقن من وجودهن في البيت الكبير فوضعت الزوجات خطة للخروج من المنزل لذلك من تزوج يخرج بعدها بفترة قصيرة من المنزل بشنط الملابس مع زوجته في آخر الليل ووالده نائمان ولايعلمان عن ذلك إلا في الصباح وكان ذلك يحز في نفسيمها برغم أن المنزل مساحته 800م ويتسع للجميع وبه خادمات لكن الضيق في الأنفس حتى تزوج آخر ابن من أبنائهم وفعل مثلما فعل الذين من قبله حتى خلا البيت على الوالدين وتدهورت حالتهما الصحية ثم تشاور الأبناء عما مايجب فعله مع والديهم فأتفقوا بأن ينتقل الوالدان عند الأبن الأكبر وجاء الابن وقال لوالده بأن يأتي عنده لكي يقوم على رعايته فوافقا الوالدين وعندما ذهبا هناك تفاجأ الوالدان بوضعهما في الملحق الخارجي برغم أن البيت من الداخل يوجد به غرف نوم كثيرة فقبل الوالدان ذلك على مضض ولكن قد لاحظا حينما يأتي أقارب للزوجة تقفل زوجة ابنهم باب الملحق عليهم حتى لاتتفشل على حد تعبيرها من وجودهم عندها، وأما الزوج الهمام فرأى ذلك ولم يقل شيئاً وبعدها بفترة زادت شكاوي الزوجة من وجود والديه وبعدها بأسبوع ذهب الوالدان عند الابن الآخر ولكن ماحدث من الأبن الأول حدث عند الثاني والثالث وأما الرابع فقد تعذر وقال أنا ساكن في شقة ولا أستطيع استضافتهم عندي ثم قال أحدهم ماهو رأيكم لو نرسلهما إلى دار العجزة فليس بعيب أو حرام فوافقوه إخوته ثم أتصلوا بدار العجزة عن طريق صديق لهم يعمل هناك وتم عمل الترتيبات لهم بهذا الشأن قبل وصول الوالدين ومن دون علمهما وحينما أنتهت الإجراءات جاء الابن لأبيه وأمه وقال لهما : هناك مراجعه اليوم في المستشفى لكما فخذوا بعض أغراضكما معكما لأنكما ستنومان هناك وفعلا أخذا بعض ملابسهما على أساس التنويم في المستشفى ليجروا لهما عدة فحوصات ثم ذهبا الوالدان مع إبنهم على أساس أنهما ذاهبان للمستشفى ولكن الابن قذ أخذهما إلى دار العجزة واستقبلوهم العاملون هناك ودخلوا هناك ثم ذهب الابن للبواب المسؤول وقال له: إذا مات أحدهما فهذا رقم هاتف البيت ورقم جوالي فاتصل علينا، وخرج الابن مسرعا وهو مسرورُ بما فعله ثم اتصل وأبلغ زوجته بذلك وفرحت وأتصل على أخوته وأبلغهم بذلك وفرحوا بأن الشيبان على حد قولهم لن يزعجوهم بعد اليوم
ولكنهم لم يبلغوا أختهم والتي عندما جاءت لترى والديها عند أخيها لم تجدهما فسألته فقال بعد تردد ومضض لقد أدخلتهما دار العجزة التي في حي الربوة وهما هناك مرتاحان ويجدون الرعاية الكاملة في الدور لوجود الأطباء والممرضين والممرضات فقالت أخته وهذا من تدبيرك أنت وزوجتك، أو أنت شاورت إخوانك فقال نعم بعدما شاورت أخواني فقالت له: إلى هذه الدرجة قد وصلت بكم الوقاحة أنكم ترمون أبوي وأمي في دار العجزة يالأنذال، ثم قالت هدى بغضب: أنتم لستم رجالاً لأن همكم رضى زوجاتكم وماكان همكم رضا الله في والديكم، ومن الغد ذهبت هدى إلى دار الرعاية المسنين في الربوة وأخذت منهم خطاب بأن تسترجع والديها لرعايتهم تحت مسؤوليتها وقالت لهم :أنا أولى برعاية والداي منكم حيث أن هدى قد كانت شاورت زوجها سعد الذي وافق ورحب على أن يكونوا في بيته وقال هم أصحاب البيت ونحن ضيوف لديهم، وعندما جاؤوا استقبلهما سعد في الديوانية استقبالاً حاراً وقبل رؤوسهما وخصص لوالدي زوجته جناحاً بداخل المنزل به ثلاث غرف ودورة مياه مستقلة بكل الأثاث والمستلزمات وقام بعمل وليمة لهما بمناسبة حضورهما عنده في منزله وفرحت هدى بوالديها لأنها ستكسب أجر برهما وأن الله سيسعدها ويبارك لها في زوجها وأولادها وبيتها وحينما جاء الصباح الباكر أفطروا معهما هي وزجها وأطفالهم وكذلك وجبة الغداء والعشاء والتي حرص سعد بأن يتناول الوجبات والقهوة والشاي مع خاله وخالته والدي زوجته وكان يتابع حالتهما الصحية في مراجعات للمستشفى بنفسه وأحيانا زوجته هدى تذهب مع السائق لتراجع بهم في المستشفى أحيانا أخرى وكان سعد حريصاً أحيانا على أن يأخذهما مع زوجته واطفاله بنزهه في السيارة إما بشاليه أو للبرية أو من خلال سفرة لمكه لأخذ عمرة و ثم للمدينة المنورة لزيارة مسجد النبي محمد صلى الله عليه وسلم والسلام عليه وثم يذهبون بعدها لمدينة أبها فمرة السفر عن طريق الطيارة ومرة عن طريق السيارة وكان سعد نسيبهم ينادي أبو زوجته هدى أبوي وينادي على أم زوجته بأمي وقد تغيرت حالة الوالدين النفسية للأفضل وتغيرت معها صحتهما وصارت للأفضل بسبب الاهتمام وراحة البال والابتسامة والأريحية التي يجدونها من نسيبهم سعد ومن الذين حولهما في البيت لذلك كان والدا هدى يدعون لسعد وابنتهم هدى كثيراً،وأما القصة الأخرى فقد تكلم عنها الإعلام في ذلك الوقت حيث وجد حراس مستشفى الولادة بالرياض امرأة كبيرة في السن جالسة على الرصيف في شدة الصيف من الضحى حتى العصر ولم تتحرك من مكانها ولم يأتِ أحد ليأخذها فجاءت مرأة تسألها لماذا أنتِ جالسة هنا ياخاله لهذا الوقت،فقد أنتهى دوام العيادات من زمان فقالت: انتظر ولدي وسيأتي بعد قليل فقالت لها المراة: منذ متى وأنتي هنا قالت من الضحى ونظرت لها المرأة ووجدت حالتها مزرية حيث أنها تتصبب عرقاً ومجهدة وريقها يابس فأحضرت لها ماء وبلغت موظفي الأمن وادخلوها للأسعاف وأجروا لها فحوصات ثم بعدها أخذوها لدار الرعاية للمسنين وبعدها بفترة سألت عنها بنتها والأخ الآخر الأصغر وقال الأخ الأكبر أنا ذهبت بها للمستشفى ونومت عندهم وحينما ذهبوا للمستشفى وسألوا بالاسم وبالأوصاف قالوا لهم عن القصة وبلغوا الشرطة التي بحثت عنها وحققت في الموضوع ووجدت بأن هذا الأبن العاق قد رماها على الرصيف لأن زوجته لاتريدها في البيت، ولأجل رضا زوجته ترك أمه لتواجه مصيرها لوحدها ولقد وصل هذا الأمر للأمير نايف بن عبدالعزيز رحمه الله وزير الداخلية آنذاك وغضب في ذلك الوقت وأمر بإحضاره وخاصة بأن هذا الرجل رجل أمن وتم التحقيق معه وتم تجريده من رتبته وسجنه.
ومن خلال هاتين القصتين يجب علينا بأن نتذكر قوله تعالى “ووصينا الإنسان بوالديه حملته أمه وهنا على وهن وفصاله في عامين أن أشكر لي ولوالديك إلي المصير” وكذلك جاء رجل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: يارسول الله من أحق الناس بحسن صحابتي ؟ قال : أمك قال : ثم من ؟ قال : أمك قال : ثم من ؟ قال : أمك قال : ثم من ؟ قال : أبوك فالوالدان أو أحدهما جنة الإنسان أو ناره فعليه أن لايعق بهما سواء بكلام أو بفعل وليتذكر بأن الوالدين قد تعبوا عليه وربوه وعلموه حتى المشي والكلام والأكل والقرأة والكتابة وكانوا بجانبه وهو مريض ولم يتأففوا يوما ما أو يتضايقوا منه فلذلك الوالدان هما إما جنتك أو نارك وأنت أيها الأنسان لك عقل وتختار، والعاقل من اعتبر بغيره.
سلمان محمد البحيري