الإختطاف

كان أحمد شاباً يافعاً في عام 1398هـ يعيش بمدينة الرياض في حارة الحبونية في أواخر المرحلة المتوسطة، ولقد كان متفوقاً في دراسته من عائلة ميسورة الحال ومحافظة كسائر الأسر السعودية في ذلك الوقت ،حيث كان المجتمع بسيطاً ومقبلاً على وجه طفرة اقتصادية وذلك تنفيذاً لخطة الملك فيصل الخمسية رحمه الله ،حيث جاء من بعده الملك خالد رحمه الله، ولقد كان أحمد محافظاً على صلواته في المسجد ولقد كان كل مسجد في تلك الفترة ينادون على أسماء المصلين ويسجلون أسماءهم وخاصة في صلاة الفجر ،كما أن أحمد كان يخالط أقرانه في الحارة ويلعب معهم في الساحة بعض الأحيان ، ولكن بعدما إلتحق بحلقة القرآن من بعد صلاة العصر في المسجد إنقطع عن أصدقائه ماعدا صديقه خالد الذي كان يشاركه نفس توجهه واهتمامه ،ثم بدأ الخطاب والنشاط الديني يزداد ويتشدد ثم لوحظ كثرة من يخطب من بعد صلوات العصر والمغرب والعشاء يومياً عن كثرة ظهور الفساد في المجتمع وينذر بوعيد من الله بالنار والعذاب الشديد حيث أننا في آخر الزمان وبعصر الفتن وكثرة التآلب على المسلمين وهذا بسبب ذنوبنا !، برغم أن مجتمعنا مسلم و محافظ في ذلك الوقت ولم ينفتح على الآخرين ولاتوجد به حتى قنوات فضائية ولا أنترنت كما هو الآن ،ثم انضم أحمد وخالد معاً لهذه المجموعة التي كانت في الحقيقة من عدة مجموعات في الرياض ومكة والطائف وجدة والمدينة وأصبح لكل مجموعة أمير لذلك صار أحمد وخالد يذهبان للمسجد لصلاة العصر ولايعودان للمنزل إلا الساعة التاسعة أو التاسعة والنصف مساء حيث يتم حفظ القرآن كما كانت دراستهم وتركيزهم أكثر شيء على رياض الصالحين و كتب الشيخ الألباني وصحيح مسلم والبخاري ولذلك كانوا يُعِدون عشاءهم في المسجد أو أحياناً يأتي أحدُ بالعشاء لهم ،ولقد كان عبدالرحمن والد أحمد مطمئناً على ابنه لأنه يطلب العلم الشرعي المتعلق بالدين، لذلك استمر أحمد على هذا المنوال، ثم بدأت هذه المجموعات التي في الرياض يزداد نشاطها ويتلقون التوجيهات من أمير الجماعة ،ويلتقون في بيت مخصص للإخوان وكان أول أمير للإخوان في الرياض بذلك الوقت  كان اسمه محمد الحيدري، و أما أمير الإخوان في مكة  فهو عايض بن دريميح، وأمير الإخوان في جدة فكان يوسف باوزير، وهكذا تأسَّست مجموعات الأخوان وقامت، و كانت تنتشر هذه المجموعات في المساجد والأماكن العامة والخاصة وكان أمراء هذه المجموعات يقولون لأتباعهم بأن يقوموا بتعفير الوجه والجهاد بسبيل الله لأجل الدعوة وهو جهاد سلمي، ثم بدأ أحمد ينصح أصدقائه وأهله عن التلفزيون حتى جاء مرة وكسره، ثم ترك الدراسة في المدرسة برغم تفوقه دراسياً، ولقد ركزت هذه المجموعات على الشخصيات العامة لينصحوهم أو يفضحوهم عند الناس بعدما يصدرون عليها أحكاماً بأن هذا فاسق أو زنديق أو كافر ، ثم بعدها بفترة لاحظ والدا أحمد بأن ابنهم قد انعزل عن أصدقائه وانعزل عنهم إلا عن صديقه خالد وصار أغلب وقته في المسجد من بعد صلاة العصر ، لذلك هما لم يشكا لحظة واحدة بأن ابنهما يسلك طريقاً خاطئاً، ثم جاءت الأوامر من جهيمان بعد فترة بأن يتم تسجيل الأسامي في أوراق عن طريق ” التابعية ” “حافظة النفوس ” أو بما تسمى البطاقة الشخصيه الآن حيث تم تجريب هؤلاء في المسجد والاعتكاف بعض الأحيان  فيه أحياناً لمدة ثلاثة أيام متوالية ووجدوا فيهم بأنهم مثل العجينة يشكلونهم كما يريدون وأن غسيل المخ قد آتى ثماره، حيث سيتم تجنيدهم لهذا المخطط الخبيث، ثم أصبح أحمد يذهب مع هذه المجموعة من الشباب إلى البر ثم لبعض المزارع حيث كانوا يتدربون على السباحة و أحياناً الرماية على بعض السلاح بسرية تامة، وأن لايخبروا أهاليهم أو أحداً بذلك حيث كما قال لهم أميرهم بأن يتعلموا الرمايه والجهاد والدفاع عن المسلمين في فلسطين وأنه قد حان خروج المهدي المنتظر على حد زعم قائدهم جهيمان،ولقد كان فيه مجموعة منهم قد باعوا أملاكهم العقارية ومزارعهم ، لأجل دعم الجماعة و شراء السلاح من اليمن حيث تم إدخاله من الحدود عن طريق الجبال والتهريب ،ثم تعددت رحلات هذه المجموعات إلى مكة والمدينة لأخذ العمرة والزيارة باستمرار للإلتقاء بالمجموعات الأخرى في مكة أو بالمدينة وجدة في بيت الأخوان، ولقد أخذ جهيمان بتوجه الأخوان لتأثره بوالده محمد بن سيف لأنه من الاخوان و كان صديقاً خاصاً لسلطان بن بجاد الذي قتله الملك عبدالعزيز في السبلة والذي كان زعيما للإخوان آنذاك، لذلك ورث جيهمان كراهيته للدولة ولآل سعود حيث كان يعتقد بأنه قد غدر بأبن بجاد ، ولقد كان جهيمان يقود شاحنة صهريج لنقل الماء” وايت”  كما كان يقودها في الحرس الوطني الذي كان يعمل فيه وليس لديه مؤهل دراسي إلا رابع إبتدائي، لذلك كانت حركة جهيمان ليس لله ولا لأجل الدين ولكن لاختطاف الدين والشباب لأجل الإنتقام والوصول للسلطة لذلك غرر بالشباب الصغار باسم الدين، لذلك حارب جهيمان الدولة في البداية بطريقة غير مباشرة عن طريق المتاجرة بالدين حيث كان ضد الدراسة النظامية لأنها تدرس اللغة الإنجليزية والرياضيات والفيزياء والكيماء وهذه علوم لاتقرب من الله مثل العلم الشرعي ولأنها تقول بأن الأرض كروية على حد زعمه، كما حرم التلفزيون وحرم الصور التي في الجرائد والكتب والعملات الورقية والكهرباء التي عدها ليست مهماة لأنها رفاهية ولاحاجة لها ،ولقد اطلق على بعض المشايخ الذين يعارضونه بمشايخ السلطة، كما منع أتباعه من العمل في الوظائف الحكومية لأنهم على حد زعمه لايقولون الحق لذلك أموالهم حرام وربا، وكذلك دعا إلى هجر المجتمع ووسائله المدنية، مثل الإعلام، والانعزال عنه، تجنبًا لتفشي الفساد والرذيلة، رافعين شعار “عدم موالاة الأنظمة” التي لا تحكم بشرع الله ولا تنتهي بنواهيه.

لذلك قرر جهيمان وجماعته بأن يجعلوا تجمعهم في الحرم هو في بداية 1/1/1400 على أساس أنه بداية القرن الجديد لذلك تم التجهيز لهذا اليوم على أساس أنها ساعة الصفر معهم لكي يتم مبايعة المهدي المنتظر في مكة حتى ينال هذا الشرف كما يعتقدوا أتباعه ويبايعوه عند المقام و الركن فأراد أحمد وخالد الذهاب لمكة ولكن والديهما قد رفضا ذلك ،وكانت هذه الجماعة قد أدخلت للحرم توابيت على أنها لموتى ولكن في الحقيقة بداخلها سلاح ولذلك مجرد مابدأ إمام الحرم بالتكبير للصلاة أخرجوها من التوابيت ورفعوها بأيديهم وسيطروا على الحرم بسرعة عندما أقفلوا الأبواب لكي يسهل السيطرة على الحرم ومن فيه، كما أدخلوا أيضا  الوايتات ” شاحنات صهريج ” حيث يوجد بداخل بعضها تمر والآخر سلاح لكي لو حوصروا يكون غذاؤهم تمر وماء كما أن هناك تقرير عن السلطات السعودية يقول «ان المؤن والذخائر كانت تكفي لصمود المجموعة ثلاثة شهور»، وظهرت تقاريرأيضاً عن ضبط مخازن أسلحة في مناطق قريبة من المسجد الحرام، وتم ضبط هذه الكميات من السلاح على أيدي فصيل خاص من الحرس الوطني”لذلك صحا العالم عامة والعالم العربي والإسلامي خاصة على صدمة قد هزت القلوب وخطفت الأرواح وبالتحديد من صباح اليوم الأول من شهر الله المحرم من عام 1400 للهجرة، الموافق ٢٠ نوفمبر ١٩٧٩ وفي اللحظة التي بلغت فيها عقارب الساعة الخامسة وعشرين دقيقة، قام مجموعة تتراوح بين ٢٠٠ إلى ٣٠٠ شخص باقتحام الحرم المكي وكان قائد الاقتحام جهيمان العتيبي، ومعه محمد القحطاني المهدي المزعوم الذي أعلن أمام المعتمرين المحتجزين أن زميله الواقف بين يديه بين الركن الأسود ومقام إبراهيم محمد عبدالله القحطاني هو المهدي المنتظر، وأنه خرج ليملأ الدنيا عدلا بعدما قد ملئت جوراً، ولذلك طلب من المرافقين معه ومن الموجودين في الحرم مبايعته برضا أو بالقوة ولكن لم يستمر التمرد أكثر من أسبوعين، إذ بعد تبادل للنيران متقطع مع القوات السعودية قتل على أثرها عدد كبير من الإرهابين وأسفرت تلك الحادثة عن مقتل مئات الأشخاص على مدار أسبوعين كاملين داخل الحرم، لقد كانت العقول المريضة من الشبان قد تلاعب  بها جهيمان و الشيطان، فدفعهم إلى اقتحام الحرم المكي تحت تهديد السلاح، ليروعوا الآمنين في بيت الله، ويدنسوا أقدس بقاع الأرض، بدعوى مبايعة أحدهم بوصفه “المهدي المنتظر” بين الركن والمقام، ولقد استمر الحصار 15 يوماً حيث تم التفاوض معهم على الاستسلام وتجنيب الحرم المكي والمصلين الأذى ولكن المختطفين للدين والحرم رفضوا ذلك وتمادوا وأخذوا يطلقون النار في كل الاتجاهات من أعلى منارات الحرم ،حيث تم اعتقال 102 من المسلحين بينهم جهيمان بينما كان المهدي قد قُتل نتيجة جروح اصيب بها. وفي التاسع من يناير 1980 الموافق 1401هـ تم تنفيذ حكم الاعدام بـ63 من الموقوفين بعد محاكمتهم أمام قضاة شرع بينما تم خفض الإعدام عن 19 مسلحاً الى فترة سجن طويلة واطلق سراح 38 منهم بينهم مجموعة نساء، وأما أحمد وخالد فكانت تهمتهم هي توزيع منشورات حيث بعد التحقيق تم سجنهما في سجن عليشة لمدة ستة سنوات ولم يعذبا كمساجين سياسيين كما يحدث في بعض الدول العربية ولم يأخذوا أهاليهم بجريرتهما ، ثم حمدا الله بأنهما لم يذهبا للحرم مع جهيمان ولقد كانت توجيهات الأمير نايف رحمه الله في ذلك بأن يعاملوا المساجين باحترام وإنسانية بحيث يسمح للمتزوج بالخلوة بزوجته،وبتوفير أجهزة راديو لجميع المساجين والكتب لمن يريد أن يقرأ ولم يحصل لهما مضايقات والتأكيد بعدم مضايقة السجانين لهم ،لذلك عرف أحمد وخالد عندما دخلا السجن بأنهما قد أخطآ في حق دينهم ووطنهم وولاة أمرهم وفي أنفسهم وبحق مجتمعهم، وأنهما قد اختطفا كما اختطفوا الشباب الذين كانوا معهما لأجل مصالح جهيمان ونسيبه محمد القحطاني الذي كان يدعي بأنه المهدي المنتظر لأجل الوصول لمصالحهما الخاصة وهو الوصول لكرسي الحكم، كما عرفا بعد ذلك بفترة بأن الفقر ليس شرطاً بأن يولد العنف كما يعتقد البعض ،فهناك من كان غنياً وبرغم ذلك اتخذ من العنف وسيلة لأجل المتاجرة بالدين مثل الذين قد جاؤوا بعد ذلك  ومنهم أسامة بن لادن و أيمن الظواهري حيث كان طبيبا ومن أسرة عريقة وسعد الفقيه وغيرهم ولكن السبب في ذلك هو الخطاب الديني المتطرف في ذلك الوقت حيث كان يدعو للجهاد والاستشهاد في سبيل الله والجهاد في فلسطين وأفغانستان والتحذير من التغريب، وليس هناك كتب عن التنوير التي تدعو للمشروع النهضوي الوسطي والتصالح والتسامح والوسطية، فهذه القصة حقيقة لأشخاص أنا اعرفهما وهما الآن على قيد الحياة، ولقد ندموا على ذلك وأصبحوا ينصحون الشباب المندفعين دينياً،بأن الإسلام دين يسر و سماحة ورفق وعطاء ومحبه حتى مع غير المسلمين وبالأسلوب الحسن لقوله تعالى ” وأدعو إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة وجادلهم بالتي هي أحسن ” وأن الدعوة تكون بالأسلوب الحسن والجميل وبالرفق وأن الإسلام مجالات الخير فيه واسعة من خلال مثلاً التطوع ومساعدة الآخرين في دول العالم من المحتاجين والجوعى وإطلاق المعسرين والمساهمة في علاج المرضى مثل عبدالرحمن السميط وصالح الحمودي رحمهما الله وغيرهم، وأن نأخذ من الحضارات الأخرى ماينفعنا ونترك مايتعارض مع ديننا وأن نضع يدنا في يد ولاة أمرنا لأجل بناء وقوة هذه الدولة التي تحكم بالشريعة وليس التصادم معها،فأنا قد كتبت هذه القصة عن ماحدث في فتنة الحرم لأجل أن كثيرًا من تفاصيلها تغيب عن الكثير من أبناء الجيل الحالي خاصة، والعديد من المسلمين عامة،فالسعودية هي أكثر دولة قد إنكوت وعانت من الإرهاب منذ أكثر من 40 سنة ابتداءً من جهيمان ثم القاعدة وداعش وحزب اللات وغيرها والحشد الشعبي وفيلق القدس والحوثيين من المنظمات الإرهابية، والتي تدعهما إيران وتغرر بالشباب بأن هناك منظمة سنية وتلك شيعية وهي كلها تابعة لأيران لأجل أن تجعل الشباب يقتل بعضهم بعضاً ولكي يتم ضرب الأمن في الدول العربية والإسلامية بإسم الدين والمتاجرة به و من خلال فتنة الطائفية مابين السنة والشيعة فهل وعيتم ياشباب الوطن وياعرب ماذا يحاك لكم.؟!!!

 

سلمان محمد البحيري

About سلمان البحيري

كاتب أومن بالإختلاف و حرية التعبير من غير أن تمس الثوابت الدينية والوطنية وحقوق الآخرين .

Check Also

حكاية باب‬⁩!

لا أذكر الماضي بشكل جيّد، وليس لي «شجرة عائلة» تحدد نسبي! ‏لا أعرف ـ بالضبط ـ من أي شجرة أتيت.. ‏وبالكاد أتذكر رائحة أصابع النجار وهو يعمل بمهارة  لتحديد ملامحي النهائية. ‏كنت أظنني كرسيّاً.. دولاباً.. طاولة… شباكاً.. ‏لم يخطر ببالي أنني سأكون «باباً»! ‏  ‏حظي الرائع هو الذي أوصلني لكي أكون «الباب الرئيسي» لهذا المنزل الريفي الصغير في البداية كنت أنظر لسكانه بريبة وكانت خطوات الصغيرة «سارة» تـُشعرني بالرعب لأنني أعلم أنها ستنزع مقبضي بعنف – عند فتحي – وستجعل أطرافي ترتعد عند إغلاقي..وحدها«سيدة» المنزل ستعاتب «سارة» لتصرفها غير  المهذب معي فيما يكتفي«السيّد» بالضحكات العالية لشغب طفلتهما المدللة. …

بدايات الشغف

اقتربت أمي مني وهي تضع يدها على كتفي وتقول لي ،  أنصتي إلي نحن في …