حينما كان عبدالرحمن في مزرعته التي تبعد عن الرياض 60 كيلو وكان جالساً في العريش وهو يسمع صوت حفيف شجر الأثل و النخيل وتذكر حينما كان طفلاً في المرحلة الابتدائية عندما كان يذهب مع والده محمد ووالدته وبقية إخوته في بعض الأحيان بعطلة الأسبوع فكل خميس كانوا يذهبون في المساء إلى المزرعة لكي يرى صديقه فهد ابن عمه عبدالعزيز حيث كان الآخر ينتظر عبدالرحمن على أحر من الجمر لكي يلعبا سوياً ويضحكا سوياً في المزرعة ويسبحا في البركة وبالطبع كان هناك في المزرعة عمه وزوجته وأبناؤه وعمال وكان عبدالرحمن حينما يكون هناك يكون متأملاً ومنصتاً لمن يتحدث لكي يتعلم،ولكي يرى بوضوح هذه الطبيعة الجميلة التي قد جعلها الله ظاهرة للعيان ثم بإرادة الإنسان الذي هو عمه وأبناؤه والعمال الذين لديه مقارناً بالعيش في المدينة وكذلك ملفتاً نظره هذا البيت التراثي وهو بيت طيني فضل عمه بنيانه في المزرعة على بناء فيلا وقد كان هذا البيت الطيني ساحراً لدرجة الخيال فهو قصر جميل ولكن من طين وترتاح فيه النفس لأنه مزين بالشرفات وبنقشات الجص ومبهج ويشعر عبدالرحمن بأن البركة تحل فيه ولازال يتذكر مصابيح المنزل المزينة بالجص وكذلك الروشن وهي الغرف التي تكون في السطح حيث يضع بعضهم فيها غرفاً للبنات والأولاد أو يكون الروشن مجلساً علوياً وبطن الحوي” المنزل “ هو المطل على جميع الغرف الأرضية ويزين ذلك الأعمدة المزخرفة بالجص ويوجد المطبخ والمستودع حيث به جصة التمر التي يخزن بها التمر وكما يخزن فيه البر وبه مكان الرحى الذي يطحن به حبوب القمح وكما يوجد مجلس للنساء وأما الديوانية فهي بالقرب من المجبب ومجلس القهوة حيث به الوجار والكمار الذي يوضع فيه الدلال الصفر الرسلان أو العراقية والأباريق الغضار حيث يحرص الرجال على إعداد القهوة والشاي بأنفسهم لضيوفهم من تنظيفها وحمصها ودقها في النجر إذ الدور الأول مخصص للمعيشة والاستقبال كما يوجد في الدور الثاني غرف لأهل البيت يسكنها المتزوجون وتكون مزينة بالشرف المجصصة كما لاحظ عبدالرحمن بأن الجص في بيوت الطين يستخدم لعمل النقوش والأشكال الجميلة في المجالس والممرات والغرف والواجهات الداخلية والخارجية والشرف وأما الأبواب والشبابيك فهي مصنوعة من خشب شجرة الأثل وجذوع النخيل وبها نقشات جميلة كما لاحظ وجود فراغ في بعض جدران غرف المنزل يسمى كوة حيث يوضع به القران الكريم أوكتاب أو مصباح وأما والد عبدالرحمن محمد فقد كان يحرص أخاه عبدالعزيز لأجل أن يجعله يشاهد عمله وتعبه في المزرعة ولكي يتمشيان فيها ويشاوره في بعض الأمور ويريه ماتم إنجازه وقد كان محمد يشارك أخاه في أمور المزرعة حين يزوره كالحصاد مثلا ثم يجلسان معا في العريش بعدما يفرغ أخوه عبدالعزيز من العمل في المزرعة ويصليان المغرب في العريش وبعد صلاة المغرب يتناولان القهوة والشاي ثم يعودا سويا للمنزل،وبعد صلاة العشاء أعدت زوجة عم عبدالرحمن العشاء في قدر كبير ولقد عجنت العجين من حولها وفردته على يديها وجعلته كأقراص مدورة وبعد أن قطعت اللحم القفر ” المقدد” بعد أن غسلته وضعت الخضار في القدر وبعدها بفترة وضعت أقراص العجين المدورة حتى ملأ عبق العشاء ليس المنزل فقط ولكن خارجه حيث كانت الرائحة شهية وجميلة إنه مرقوق بالقفر لن ينسى طعمه ورائحته عبدالرحن حتى الآن ثم ذهب عبدالرحمن وفهد عند الرجال في الديوانية وكانوا يتبادلون أطراف الحديث وبعدها بلحظات قال عم عبدالرحمن عبدالعزيز لإبنه فهد وعلي قولا لوالدتكما بأن يضعوا عشاءنا في بطن الحوي “المنزل ” ثم بعدها بلحظات تم وضع العشاء والذي كان عبارة عن مرقوق لذيذ واستمر حديث والد عبدالرحمن مع أخيه عن إنتاج المزرعة واستمرت السهرة وحلت على الجميع السعادة في المكان وشعر عبدالرحمن بجو الألفة والمحبة في هذا المنزل البسيط ولكنه جميل وبعدها بساعات استأذن والد عبدالرحمن لكي يعود للرياض لأن وراءه خطاً طويلاً وقال لأبنه عبدالرحمن: قل لوالدتك وأخوتك والدي يريد أن يمشي للبيت ثم تقدم فهد وقال لعمه : ياعمي ممكن أن أطلب منك طلباً فقال والد عبدالرحمن: تفضل يافهد فقال أرجوك ياعمي بأن توافق على أن يجلس عندنا عبدالرحمن يومين في هالإجازه مادام ليس هناك مدارس لكي أعلمه على بعض الأمور التي أعرفها في المزرعة وهو يريد معرفتها فقال عمه: أنا موافق ولكن في المرة القادمة إذا أتينا ستأتي معنا وتجلس عندنا يومين فقال فهد:أنا موافق ياعمي وبعد الموافقة إستأذن محمد أخاه عبدالعزيز وشكرهم على حسن الضيافة ودعا لهم بالبركة ثم غادر أبو عبدالرحمن وأسرته إلى الرياض وأما فهد وعبدالرحمن فقد صعدا إلى السطح حيث ستنام عائلة عمه في هذا المكان ففرش فهد فراشاً لعبدالرحمن بجانبه ولقد كان السطح ساحراً والهواء عليلا والسماء صافية وكان القمر في ليلة التمام وعندما إستلقى عبدالرحمن أخذ هو وفهد يتأملان جمال السماء وتبهرهما القمر والنجوم وحركة النيازك بسرعة فظل عبدالرحمن مسترخيا حتى نام وحينما ظهر نور الصباح أيقظه صياح الديك من سباته وعندها أديا صلاة الفجر جماعة هو وفهد بعد ظهور النور ثم نزلا في بطن الحوي ” المنزل”ورأى عمه وزوجته يتناولان القهوة ويتحدثان معاً فسلما عليهما وقبل عبدالرحمن رأس عمه ثم قبل رأس زوجة عمه فجلسا معهما فقالت زوجة عم عبدالرحمن لاتذهبا حتى تفطرا معنا وبعدها بلحظات كانت زوجة عمه قد أحضرت صينية بها مراصيع وإبريقاً من حليب الماعز وأبريق شاي فوضعتها ثم ذهبت للداخل مع بناتها لكي يفطروا جميعاً وبعدما أفطرا فهد وعبدالرحمن تسللا إلى داخل المزرعة فرأى عبدالرحمن العمال وهم يعملون بجد ونشاط وهمة وقال عبدالرحمن: هيا نذهب لأشجار العنب فقد أعجبتني فرأى عناقيد العنب الكبيرة منها الأحمر والأسود والأخضر وطعهما كان لذيذا كما كان هناك نحل تحت شجر العنب حيث كانت توجد خلايا المنحل ولقد زرع عمه عبدالرحمن العنب بكثرة لأجل أن النحل يتغذى عليها ويفضل زهورها وحينما خرجا فهد وعبدالرحمن من تحت أشحار العنب إلى المزرعة رأوا العمال وهم يعملون بجد ونشاط فهناك من يسقي المزرعة ويروس الماء ومنهم من يعزق الأرض بالمسحاة ومنهم الذي يحرث بالحراثة ومنهم الذي يحصد ومنهم الذي يبذر ويسمد فقد كانت مزرعة كبيرة بها خمسة الآف نخلة ومئات الأشجار إنه عالم كبير لعبدالرحمن غير ماألفه في الرياض والحارة ولذلك قرر عبدالرحمن حينما يكبر بأن يكون مهندساً زراعياً ويكون لديه مزرعة ، وحينما كان يمشي فقد رأى بعض جذوع النخل والأشجار مثل شجرة السدر “العبري”وهناك أشجار مثل التفاح والموز والليمون والترنج والتين واليوسفي والبنبر والبرتقال والعنب حيث كانت له أشجار كثيرة ولها تكعيبات جميلة و لذلك حينما دخل فهد وعبدالرحمن تحت شجر العنب كانت هناك العناقيد الحمراء والسوداء والخضراء وطعمها لذيذ وهناك أشجار التين واليوسفي والبرتقال كما كان تحت أشجار العنب خلايا نحل طبيعية قد عملها النحل بنفسه وبها شمع وعسل لذيذ كما وضع عم عبدالرحمن خلايا صناعية بالقرب من الجبل وقد وضعها عبدالرحمن لكي يتم إنتاج العسل بكميات كبيرة وتجارية ولقد سر عبدالرحمن عندما أراه صديقه فهد منظر الفراشات والتي كانت تحلق برشاقة وجمال مابين أشعة الشمس المتخللة مابين الأشجار والنخيل
وقد رآها في منزل عمه أيضا تتسلل من شبابيك المنزل ولقد كانت الفراشات تختفي وتظهر في إلانارة من الشباك وكان يجذبها الضوء ولو كان هذا الضوء ناراً يحرقها ولقد رأى في سقف بيت عمه حمامة معششة وبعض العصافير فيه والذي كان مسقوفاً من خشب الأثل وجريد النخل حيث يقول فهد بأنه يسمع غناء الحمام والعصافير في الصباح الباكر وفي المساء وقد لاحظ عبدالرحمن أيضاً بأن الفراشات تحلق في الصباح والمساء قبل غروب الشمس تجوب المزرعة زرافات ووحدانا ولكن عندما تحلق في مجموعة واحدة فكأنه موكب عرس لأنها تأتي معاً بألوان مختلفة ولقد رآها عبدالرحمن أيضاً على سطح البركة وبالقرب من الجداول وعلى زهور النباتات والأشجار وبعد فترة من الزمن قضاه عبدالرحمن وفهد في المشي بالطريق وصلا إلى أرض بها أحواش مقسمة فمنها قسم للبقر وقسم للأغنام وقسم للدجاج البلدي وفي حوش مستقل كما كانت هناك الإصطبلات وحينما اقتربا فهد وعبدالرحمن من الحاجز الخشبي سمعا صهيلاً بالأسطبل ثم لاحت لهما واقتربت الفرس البيضاء الجميلة الجازي
ولقد أعجب عبدالرحمن بجمالها وقال ماشاء الله وقال أنا أول مرة أرى الخيل على الطبيعة ثم سمع من الخلف صهيلاً آخر فألتفت فإذا هو الحصان الأسود الجميل عنتر بلمعان سواده وشعره الجميل الناعم ثم قفز فهد فوق الحاجز عند الجازي وقبلها ومسح على جبينها وربت تربيتة خفيفة على عنقها ثم اقترب منها وهمس في أذنها ثم أخذت تهز رأسها وقبلته ثم قال عبدالرحمن لفهد: ماذا قلت لها يامجنون فقال: قلت لها انت أجمل فرس في عيني ثم قبل فهد الفرس على جبينها،وقال أن الخيل ذكي ويشعر بحب من يحبه لأنه حساس ورقيق وشرس مع من هو شرس معه،وبعدها بلحظات جاء علي ابن عمه عبدالعزيز الأخ الأكبر من فهد ومعه بندقية ساكتون حيث كان معه ثلاث من طرائد الحمام القمر التي قد اصطادها ببندقيته ثم قال علي بحكم خبرته: الصيد هنا متوفر على طول السنة والحمد لله في المزرعة أو في هذا الوادي ثم اقترح عليهم بأن يحضرا بعض الحطب لكي يشعل النار وعندما أشعلها علي وهدأت وجمرت بدأ على بنتف ريش الحمامات وغسلها وثم ذهب بها إلى جدول الماء وغسلها ثم بدأ يشويها ولقد كان شحمها كثيرا حيث كان السمن يسيل مابين أصابعهم عندما كانوا يأكلونها وكان طعمها لذيداً وعندما فرغوا من أكل الحمامات قال علي: بأن أبي يقول أحصدوا البرسيم للبقر والغنم وضعوا الحبوب للدجاج فذهب عبدالرحمن معهم لأحواض البرسيم وأعطوه محش “منجل “وبدأوا يحصدون سريعاً فقال لهما عبدالرحمن أنا لاأعرف الحصاد فعلموه الحصاد وبدأ يحصد ولكنه بطيء وعندما فرغوا من الحصاد أحضروا ثلاث عربيات ووضعوا ماحصدوا فيها فقد تم حصاد مايقارب ستة عربيات أربعة منها للبقر وعربيتين للغنم ثم ذهب عبدالرحمن معهم للمستودع وأخذوا من كيس أعلاف للدجاج وهو عبارة عن كيس به 15 كيلو حيث تم وضع مايقارب أربعة كيلو وهو عبارة عن قمح وذرة ودخن ثم بعدما فرغوا قال علي: وش رأيكم بأن نصعد الجبل لكي نجلس في الغار، فوافق فهد وعبدالرحمن فأخذوا يمشوا مع الممر الذي قد وضعه عمه عبدالعزيز في الجبل وهم يرتقون ويصعدون وكلما ارتفعوا تكون الرؤية أكبر حتى صعدوا للكهف ورأوا المزرعة من فوق كاملة فقد كانت كبيرة ورأوا الشعيب بشكل أشمل وبينما فهد يتحدث مع عبدالرحمن قال علي:أصمتوا لحظة وبعدها بلحظات راح يمشي بهدوء وثم قال :تعالوا لقد أصطدت وهناك أربعة طيور من الحجل عالقين في داخل المصيدة ثم مشوا قليلاً وجاؤوا عند مكان ينضح ماءً قال علي: هذا اسمه القطار وهو ماء بارد وحلو وهو يصب طول العام تعال ياعبدالرحمن وأشرب فسمع كلامه وشرب منه وقال فعلا ياعلي أنه ماء حلو ثم نزلوا من الجبل من نفس الطريق الذي صعدوا معه و أخذوا الصيد معهم وعادوا للمنزل فقال علي لوالدته: هذا ياأمي صيد اليوم فقالت له: الله يعطيك العافية ياولدي فقال علي: هل تطبخين لنا ياأمي هذا الصيد من يديك الحلوتين كغداء فقالت :أبشر وحتى ولد عمك عبدالرحمن يأكل منه فسأطبخ هذا الحجل مع الحمام الذي أصطدته ولكن كلن على حدة ثم قالت :اذهبوا وأسبحوا وعندما تفرغون نادوا على والدكم وإخوانكم ثم ذهبوا جميعا متجهين إلى البركة ورأى الفراشات والنحل والدعاسيق تحوم على مروج المزرعة من أزهار الأشجار والنباتات حول السدرة القريبة من البركة ثم سمع صوت الماكية البلاكيستون وخرير الماء في الخرارات بشكل واضح لأنها كانت تجري في السواقي متجهة لبعض الأحواض وعندما أتوا للبركة نزع علي وفهد ملابسهم وفنايلهم وسبحوا ثم قالا لعبدالرحمن :تعال اسبح فقال: لا أعرف فقال علي :تعال أعلمك أفسخ ثوبك وفنيلتك وأنا أبحط يدي من تحت بطنك وأنت تحرك يديك ورجليك حتى تعرف أن تفعلها بنفسك ولكن لاتخف من السباحة ولابد أن تتعلم ولا تخاف نحن حولك فسمع عبدالرحمن كلام علي فنزع ثوبه وفنيلته ونزل في البركة بالتدريج ومسكه علي ووضع يده تحت بطنه وقال: إسبح وحرك رجليك ويديك وأرفع رأسك وأنت تسبح وأخذ فتره ليست بالقصيره حتى تأقلم عبدالرحمن على السباحة حتى أصبح عبدالرحمن يعرف السباحة وزال الخوف عنه ثم جاء عبدالرحمن تحت ماسورة ماء البركة ونظف كامل جسمه بعناية مستمتعا بالسباحة وشعر بنبض الدم يجري في جسمه ووجنتيه وشعر بأنه خفيف ومتحرر من الأعباء بعد متعة السباحة فأدرك عبدالرحمن بأنه كان سعيداً وهو في حضرة هذا المكان الجميل الهادئ بعيداً عن التلوث والصخب البشري والقيود ولقد اكتشف أيضا بأنه منتعش بعد خروجه من البركة وشربه من ماء الزير البارد الذي تحت السدرة بأن الماء في المزرعة حلو وصحي وأن الهواء هنا نظيف ونقي وأن هذا الماء كطعم الماء الذي شربه في الجبل من القطار وبعد أن فرغوا من السباحة في البركة لبسوا ملابسهم ثم أخبر علي وفهد والدهم بأن الغداء جاهز فقال لهم والدهم :أحضروا الغداء إلى هنا في العريش فأنا لا أريد بأن أترك هذه النسمات الجميلة وأذهب للمنزل ثم أخبروا والدتهم بأن والدهم يريد الغداء في العريش ولقد كان حول العريش أشجار من العنب وأشجار اليوسفي والليمون العماني وهناك حوضا النعناع والحبق وأحواض البرسيم والتي إذا هبت رياح خفيفة حملت معها الروائح الزكية إلى العريش وخاصة عندما تكون هذه النباتات شاربة ماء ثم لحظات وأحضر علي وفهد وعبدالرحمن الغذاء للعريش فوضعوه على السفرة التي كانت من جريد ولقد كان الغداء رزاً بالحمام والحجل ومرق خضار بالحجل والحمام في طواجن فخارية ولقد كان الأكل لذيداً وعندما فرغوا من الغداء ذهب عبدالرحمن ونظر من شرفة العريش إلى شجيرات العنب ثم تسلل وإختبأ تحت جذع واحدة من شجر العنب وكان واقفاً ومستنداً عليه وأخذ يتأمل سحر المكان وأخذ ينزل تدريجياً حتى صار جالساً على الأرض وأخذ يفكر في الماضي والحاضر والمستقبل ورأى ببصيرته بأن العيش في هذه الطبيعة الساحرة والأكل من خيراتها جنة في الدنيا و أجمل وأمتع من العيش في المدينة وأن حلمه إن شاء الله سيحققه وسيصبح لديه مزرعة مثل عمه في المستقبل واعتراه إحساس في كل حنايا جسمه بالتعب من هذا اليوم الجميل وفي نفس الوقت مستمتع لأن كل ذرة من جسمه غارقة في السعادة ومكث عبدالرحمن جالساً ومتسنداً على هذا الجذع برأسه على ذراعيه ثم أخذ يشم روائح الزهور بعد أن هبت النسمة الجميلة بالروائح الزكية شعر بأنه سينوم في هذا المكان من روعته ولكن ماجعله يفيق هو صوت صديقه فهد حينما أخذ ينادي عليه ثم ظهر عبدالرحمن من تحت شجرة العنب وقال لصديقه: فهد أريدك بأن تريني شجيرات الطماطم والجح” البطيخ “والشمام والقرع العسلي والخيار والجزر الذي حدثتني عنها فذهبا سويا برغم شعور عبدالرحمن بالتعب لكن عليه بأن يستمتع بمنظر هذه المروج الشاسعة لكي لاينسى كل نبات وشجرة وزهرة وعشب لكي تكون مخلدة في الذاكرة لأنها ستعيش في أعماقه لأن مثل هذه اللحظات لاتعوض ولاتعود بسهولة وعندما رأى عبدالرحمن جميع الثمار وخاصة التي في البيوت المحمية وشرح له فهد كيف أنه هو ووالده وإخوته والعمال حريصون على أن تكون الزارعة هنا عضويه بأسمدة طبيعية وحريصون على تغذية التربة بالرمل والغريف ” الطين ” لأن الكيماوي يسبب السرطان وأمراض الكبد وعندما عادوا للبيث كانت السيارة جاهزة وحملها العمال من إنتاج المزرعة حيث سيذهب بها عمه إلى السوق فقال عمه عبدالعزيز لعبدالرحمن هل ستبقى عندنا بقية الإجازة أم ستذهب معي للرياض وأوصلك لبيتكم ؟! فقال عبدالرحمن ياليت ياعمي أعيش معكم هنا على طول فقد أحببت هذه الحياة الجميلة فقال عمه:شكلك ياعبدالرحمن بتصير مهندس زراعي أو فلاح مثل جدك وعمك فقال عبدالرحمن: إن شاء الله ولكني ياعمي سأذهب معك حتى لايغضب مني أبوي فقال: أجل ياعبدالرحمن الله يحييك في كل إجازه عندنا وتوسع صدرك مع صديقك فهد وعندما أراد عبدالرحمن الذهاب نظر إلى صديقه فهد وكانت دموع فهد في عينيه ثم أخذ عبدالرحمن بالحضن وقال: سأفقدك ياصديقي ولكني سأنتظرك حتى تأتي المرة القادمة وإذا تأخرت علي جئتك مع والدي في الرياض فقال عبدالرحمن:إن شاء الله ياصديقي وفي أمان الله وأراك على خير وأشكرك وأشكركم جميعا على حسن استقبالنا وعلى تعليمي أشياء كثيرة منها الحصاد والسباحة والزراعة ثم ركب عبدالرحمن مع عمه في السيارة وبعدما مشى عمه بلحظات في السيارة لاحظ عمه بأن عبدالرحمن قد نام وبعدها بساعه وربع قد وصلوا للرياض ثم قال عبدالعزيز لأبن أخيه :ياعبدالرحمن ترانا وصلنا وأنا عمك : فقال عبدالرحمن: الله يعافيك ياعمي وقال تفضل عندنا ياعم فقال عمه : أنا مستعجل وسلمني على الوالد لأني سأذهب للسوق وعندما دخل عبدالرحمن بيتهم سلم على والدته ووالده وقبل رأسيهما وسلم على أخوته فسألوه :جئت مع من فقال لهم عبدالرحمن:لقد جئت مع عمي وهو يسلم عليكم جميعاً ويقول أنه مستعجل لأنه سيذهب للسوق ثم ذهب عبدالرحمن لغرفته ودخل دورة المياه لأجل أن يأخذ له دشاً ثم وهو تحت الدش الدافئ جاءته خواطر من أول ماذهب وحتى آخر ذكرى جميلة عندما كان تحت شجرة العنب وبعدها بسنوات تخرج عبدالرحمن من الجامعة وأصبح مهندساً واشترى له أرضاً كبيرة في المزاحمية وزرعها نخيلاً ووضع منها أصناف مميزة قد جلبها من الأحساء والقصيم وزرع الأشجار و بعدها بفترة وضع مزارع محمية ووضع عنده في المزرعة مصنعاً لتغليف التمور وتصديرها للداخل والخارج وأصبح عنده رشاش ماء حيث يزرع أحياناً قمحاً وشعيراً بمساحة كبيرة ووضع لديه في المزرعة مخازن وأصبح اسمه معروفا ًفي السوق الزراعي والغذائي ولم ينس بأن يضع في مزرعته أسطبل لأنه قد أحب الخيول منذ زار مزرعة عمه في الصغر وتحقق حلم طفولته وأصبح حقيقة على أرض الواقع زراعيا فهذه الرحلة قد غمرته بالسعادة وألهمته لكي ينجح وكانت له كالشمعة التي بعد ذلك أضاءت له الطريق وجعلته يعيش بهذا الأمل بحيث جعلته يعمل على تحقيق هذا الهدف منذ الصغر وجعلته يخرج بقوة كأسد في غابة الحياة ويزأر ليسمعه أقرانه وأقرباؤه ومن لايعرفه ليخبرهم بأنه قد وصل ونجح وحقق مايريده بالإرادة الصلبة والإصرار حيث جعله يشعر بنشوة الانتصار ويشعر بحلاوة الغبطة ويبتسم بسمة الانتصار كلما دارت الذكرى في باله.
سلمان محمد البحيري