يصارع المرض بكبرياء ويريد ترك أثر

منذ عرفته وهو قوي العزيمة والإرادة لا يثنيه أي شيء عن مايريده ،وكان عاشقا للقراءة والكتابة ولايزال وكان يريحه ذلك لأنهما مثل الأوكسجين الذي يعيش به في الحياة ، وكان كاتباً حروفه من ذهب وقد داهمه المرض في الفترة الأخيرة برغم أنه لازال شاباً، بعدما أخذ يشعر بالإرهاق والآلام مع الغثيان وعدم الشعور بالراحة لأنه لايستطيع بأن يأخذ كفايته من النوم ،وكان يقلقله والده المريض على الفراش في منزله وهو الذي مسؤول عنه ويتابعه بنفسه لأنه يريد بأن يريح والده ويسعده ولايشعره بأنه قد أصبح عبئاً ثقيلاً عليه، كما كان يسعده سماع دعوات والده له ، وعندما ذهب محمد للطبيب عرف الطبيب ماهو مرضه ولكن أراد التأكد من خلال التحاليل الطبية أما محمد فأعتقد بأنه من تأثير النزلات المعوية نتيجة لتغير الجو والإرهاق في العمل بالجريدة ،فقال له الطبيب أريدك بأن تجري تحاليل شاملة وأعطاه موعد بعد ثلاثة أيام وحينما أزف الموعد وذهب محمد للطبيب ورأى ملف محمد والتحاليل قال له الطبيب أن لديك سرطان في القولون ومنعه عن مأكولات معينه وأمره بالإلتزام بجلسات الكيماوي و بالعلاج وعدم الإهمال ووافق محمد ،وصار يراجع الدكتور على حسب المواعيد ولم يخبر أحداً حتى عائلته لكي لايحزنهم ويجعلهم يقلقون عليه ولم يخبر أصدقاءه، ولكني حينما واجهته ورأيت أن نظرات عينيه مختلفة بها ألم وحزن أدركت بأن به شيء يخفيه ،وعندما ألححت عليه وقلت له أنت في هذه السنوات الأخيرة لست على مايرام ولا صديقي الذي أعرفه ،فقال هذا صحيح فأنا منذ ثلاث سنوات وأنا أعاني بسبب صراعي مع مرض السرطان ولم أخبر أحداً ، ماعدا السائق الذي يأخذني إلى مواعيد العيادة ويكون معي لأنني في كل جلسة كيماوي أشعر بالإرهاق والغثيان وليس لي رغبة في الأكل حيث كان ذلك في جلسات الكيماوي الأولى وأنا لم أخبر البقية لكي لاأجعل من يحبني يحزن علي و لاأريد منهم نظرة الشفقة كما لاأريد من يكرهني يشمت بي ، فقلت له ياصديقي هذا المرض من رب العالمين ولادخل للبشر فيه وهذا إبتلاء من الله لكي يخرج أجمل مافيك من الداخل ويجعلك تتقرب إليه أكثر، كما يجعلك ترا الحياة بمنظار شمولي وعميق فقال محمد هذا صحيح ياصديقي وكلامك هذا يريحني كثيراً ثم سألته : هل أنت خائف من الموت ؟! فقال من منا من يحب الموت ؟! ولكني خائف أن أنقطع عن بري بوالدي وعمل الخير لأشخاص بيوتهم مفتوحة بسببي ، كما أني أخاف بأن لاأستطيع القراءة فهي الحياة بالنسبة لي وأخاف أن انحرم من الكتابة لأجل عدم قدرتي إيصال ما أشعر به إلى الناس، فقلت له :الله سيشفيك وسيطيل في عمرك إن شاء الله وأنا لدي إيمان بأنك ستتغلب على مرضك بإيمانك وروحك الجميلة وحبك للخير وحبك للناس وحب الناس لك ،فالحب بلسم للجروح والآلام كما لدي إيمان بأنك ستتغلب عليه من خلال حبك للدعابة والضحك والتفاؤل والأمل برغم ماتعانيه فقال محمد: نعم هذا صحيح وحتى لو جاء الموت فأنا لن أخاف منه لأنني والحمد لله لدي أعمال كثيرة خبيئة مابيني ومابين الله ولو أخذ روحي فأنا لدي اليقين وحسن الظن برحمة الله لي ولن يتكلني على تقصيري في أعمالي الصالحة لأنني مهما عملت من الخيرات لله في كل ثانية من حياتي فلن أوفي الله شكر نعمة من نعمه الكثيرة علي،ولكني أريد بأن أنتصر على هذا المرض لأنه لدي أهداف أسعى لتحقيقها ومن ضمنها نشر بقية كتبي لأجل أن تصل رسالتي إلى الناس ولكي أخلد ذكراي لأسرتي وعائلتي والناس بأعمالي لتقرأها الأجيال القادمة وأكون قد حققت طموحاتي وخدمت بفكري وقلمي ديني ووطني وساهمت في نشر الوعي والتنوير بمجتمعي الذي أعيش فيه ،لذلك لدي الأمل بأنني سأتغلب على هذا المرض وأن الله سيشفيني منه لكي أكتب عن تجربتي ورحلتي مع هذا المرض الشرس ،فقلت له لأجل أن أرفع من معنوياته :أنت لازلت شاباً والله سيمد في عمرك لنيتك الطيبة لأنك تحب الخير ونفع الناس من علمك وعملك من خلال ماتقدمه في كتاباتك وسيكون لذلك ثمار يانعة يستفيد منها الناس في كل حين ، فقال محمد :أتمنى ذلك ياصديقي بأن أترك أثراً إيجابياً لكي أكون قد صنعت فارقاً في حياتي وفي حياة الناس لذلك سأحارب وسأهتم بحياتي لأجل هذا الغرض، وبعد ذلك مرحباً بالموت لأننا كلنا سنموت ولكني سأخدع الموت من خلال أعمالي التي تخلد ذكراي للناس وكما قال ميل جبسون في فيلم القلب الشجاع ” نحن جميعاً سنموت ولكن القليلين منا فقط هم من يعيشون بحق”.
سلمان محمد البحيري

عن سلمان البحيري

كاتب أومن بالإختلاف و حرية التعبير من غير أن تمس الثوابت الدينية والوطنية وحقوق الآخرين .

شاهد أيضاً

حكاية باب‬⁩!

لا أذكر الماضي بشكل جيّد، وليس لي «شجرة عائلة» تحدد نسبي! ‏لا أعرف ـ بالضبط ـ من أي شجرة أتيت.. ‏وبالكاد أتذكر رائحة أصابع النجار وهو يعمل بمهارة  لتحديد ملامحي النهائية. ‏كنت أظنني كرسيّاً.. دولاباً.. طاولة… شباكاً.. ‏لم يخطر ببالي أنني سأكون «باباً»! ‏  ‏حظي الرائع هو الذي أوصلني لكي أكون «الباب الرئيسي» لهذا المنزل الريفي الصغير في البداية كنت أنظر لسكانه بريبة وكانت خطوات الصغيرة «سارة» تـُشعرني بالرعب لأنني أعلم أنها ستنزع مقبضي بعنف – عند فتحي – وستجعل أطرافي ترتعد عند إغلاقي..وحدها«سيدة» المنزل ستعاتب «سارة» لتصرفها غير  المهذب معي فيما يكتفي«السيّد» بالضحكات العالية لشغب طفلتهما المدللة. …

بدايات الشغف

اقتربت أمي مني وهي تضع يدها على كتفي وتقول لي ،  أنصتي إلي نحن في …