عندما كنا نتحرك ونعمل ونشعر بتعب الحياة وعبئها ونعرق ونتنفس وننام كنا نشعر بروعة النوم أو روعة الراحة عند الإجازة وكنا نأكل مانشتهيه إذا ما شعرنا بالجوع،فلم نكن نشعر بقيمة هذه النعم إلا بعدما ابتلانا الله بالمرض، لأنها أمور كنا نعتقد بأنها بديهية و دائمة،ولكن لم نشعر بقيمتها إلا عندما فقدناها،وذلك مثلا حين نعجز عن المشي وصرنا لا نتحرك إلا على عكازين أو بكرسي متحرك،أو نشعر بالوجع ولا نستطيع النوم إلا بمهدئ، أو نحرم من الأكل الذي نريده،أو عندما نجد صعوبة في التنفس أو لانستطيع أن نتبول أكرمكم الله،أو لانستطيع المشي إلا بصعوبة ،أو حينما ينصحنا الطبيب بالابتعاد كلياً عن أشياء كنا نحبها فيصبح أكلنا بحمية،وفي لحظة ضعفنا نلجأ لله ونحتسب فيكون هذا المرض أجراً لنا وممحصاً لذنوبنا،وفي لحظة ضعفنا نرى و نشعر بمن يحبنا ويقف بجانبنا أو يسأل عنا ويهتم فينا،ولذلك تتغير أمور كثيرة في حالة ضعفنا و نصبح نرى الأمور أكثر وضوحاً وشفافية مع أنفسنا والآخرين وفي الحياة عن ذي قبل، ونعرف أن الصحة تاج على رؤوس الأصحاء لايعرفه إلا المرضى،والله سبحانه حينما يأخذ من الإنسان شيئاً، فإنه يعوضه بأشياء أجمل وهناك في التاريخ القديم والحديث عظماء قد أبدعوا وهم مرضى ومنهم الرسام الإيطالي مايكل إنجلو الذي كان رساماً ونحاتاً وشاعراً ومهندساً برغم أنه كان مصاباً بمرض التوحد وكذلك فان جوخ الرسام الذي كان مصاباً بالصرع ومات فقيراً برغم أن أحد لوحاته قد بيعت ب82 مليون دولار وكذلك الشاعر التونسي أبو القاسم الشابي الذي توفي وهو في ريعان شبابه بسبب مرض في الصدر وكذلك الرسام الايطالي بيكاسو كان يعاني من انفصام في الشخصية واما بيتهوفن الذي الف السمفونيات فقد كان مصاباً بالصمم واما بشار إبن برد برغم أنه قد ولد أعمى فقد كان شاعراً عظيماً خلد التاريخ اسمه، وكذلك الشيخ عبدالعزيز بن باز رحمه الله الذي كان يتيم الأب وكف بصره في سن السادسة عشره وكان ضعيف البنية وقد حفظ القرآن قبل البلوغ وتعلم العلم الشرعي ثم أصبح قاضياً في مدينة الدلم وكان يعطي الدروس الشرعية وبعد ذلك بفترة أصبح مفتي المملكة العربية والسعودية وكما قد حظي بإجماع من علماء السلفية في عصره حيث يعتبرونه إمام عصرهم ، وقد حصل على جائزة الملك فيصل لخدمة الاسلام في عام 1402هـ وقد بلغت مؤلفاته رحمه الله أكثر من 41 كتاباً، وأما الروائية البريطانية جيه كيه فقد كانت مصابة باكتئاب حاد وألفت سلسة روايات هاري بوتر وتحولت حياتها من الفقر إلى الثروة حيث تتجاوز ثروتها المليار دولار من خلال ممارسة مهنة الكتابة فقط ،وكذلك نيوتن صاحب نظرية الجاذبية فقد كان مصاباً بالتوحد وهو نفس المرض الذي قد أصاب إينشتاين صاحب نظرية النسبية والأغرب من ذلك مكتشف نظرية الذرة وهو نيلزبور فقد كان يعاني من الزهايمر، فالمرض ليس عيباً ولا نقصاً ولا يعني النهاية والاستسلام لليأس والإحباط والكآبة، ولكن المرض هو فرصة للتوقف والتأمل والإصرار على العطاء وتحدي المعوقات ولأجل أن نهتم بأنفسنا ونتغلب على المصاعب ونركز ونطور موهبتنا التي بداخلنا لنصل للهدف لكي نثبت لأنفسنا والآخرين بأن المرض لم يكن عائقاً لنا بل نحن قادرون وغير عاجزين ونستطيع بأن نكون مبدعين أيضاً، لذلك كان الألم والمعاناة والحرمان هي سبب لإبداع العظماء.
سلمان محمد البحيري